الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ما يلزم المعتمرة إن حاضت أثناء الطواف

السؤال

أنا من أهل المدينة المنورة سافرنا ـ أنا وزوجتي ـ لأداء العمرة فنزل عليها دم الحيض في مكة في الشوط السادس من الطواف مع العلم أنها حين ربط النية لأداء العمرة لم تقل: فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني ـ ولم تكن تعلم بها من قبل، فهل يلزمنا شيء؟ وبارك الله فيكم وفي علمكم؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإذا كانت زوجتك قد اكتفت بهذا الطواف الذي جاءها الحيض أثناءه فإن طوافها غير صحيح، لأن طواف الحائض باطل عند جمهور العلماء ولو كانت تجهل الحكم، ومن أحرم بالحج أو العمرة لا يجوز له أن يتحلل حتى يتم نسكه، لقوله تعالى: وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ { البقرة: 186}.

ومن ثم، فالواجب عليها هو أن تكف عما يحظر على المحرم ثم تعود إلى مكة وتطوف بالبيت وتسعى بين الصفا والمروة ثم تتحلل من إحرامها، والدليل على أن طواف الحائض لا يجوز ولا يصح منها، قوله صلى الله عليه وسلم لعائشة ـ رضي الله عنها: افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري. متفق عليه.

قال الشوكاني ـ رحمه الله: والحديث ظاهر في نهي الحائض عن الطواف حتى ينقطع دمها وتغتسل، والنهي يقتضي الفساد المرادف للبطلان فيكون طواف الحائض باطلاً وهو قول الجمهور، وذهب جمع من الكوفيين إلى أن الطهارة غير شرط. انتهى.

وفي الموسوعة الفقهية: فإن طافت وهي حائض، فلا يصح طوافها عند الجمهورـ المالكية والشافعية والحنابلة ـ وذهب الحنفية إلى صحته مع الكراهة التحريمية، لأن الطهارة له واجبة، وهي غير طاهرة، وتأثم وعليها بدنة. انتهى.

و قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين ـ رحمه الله: إذا أحرمت المرأة بالعمرة وأتاها الحيض، فإن إحرامها لا يبطل، بل تبقى على إحرامها، وهذه المرأة التي أحرمت بالعمرة وخرجت من مكة ولم تطف ولم تسع، لا تزال في عمرتها، وعليها أن ترجع إلى مكة وأن تطوف وتسعى وتقصر حتى تحل من إحرامها، ويجب عليها أن تتجنب جميع محظورات الإحرام ـ من الطيب وأخذ الشعر، أو الظفر، وعدم قربها من زوجها إن كانت ذات زوج ـ حتى تقضي عمرتها، اللهم إلا أن تكون قد خافت من مجيء الحيض فاشترطت عند إحرامها، أن محلها حيث حبست، فإنه لا شيء عليها إذا تحللت. انتهى.

وإن تعذرعليها الرجوع إلى مكة وإتمام النسك فحكمها حكم المحصر، فتتحلل بذبح هدي وتقصر، فإن عجزت عن الهدي صامت عشرة أيام قياساً على من عجز عن دم التمتع، جاء في حواشي التحفة: ومن حاضت قبل طواف الإفاضة تبقى على إحرامها وإن مضى عليها أعوام، نعم لو عادت إلى بلدها أي شرعت في العود فيه وهي محرمة عادمة للنفقة ولم يمكنها الوصول للبيت الحرام كان حكمها كالمحصر فتتحلل بذبح شاة وتنوي التحلل. انتهى.

وما وقع منها في تلك الفترة من محظورات الإحرام لا شيء فيه ما دامت جاهلة بالحكم, لقوله صلى الله عليه وسلم: رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه.

ومن أهل العلم من يرى أنها تفدي عن كل جنس فيه إتلاف كقص الشعر وتقليم الأظافر، وما تقدم من عدم صحة طواف الحائض مبني على قول الجمهور ـ من أن الطهارة شرط لصحة الطواف ـ وأما على قول الحنفية ورواية عن أحمد ـ وهو أن الطهارة من الحيض واجبة في الطواف وليست شرطاً في صحته ـ فإن عمرتها صحيحة، إذا كانت قد أكملت الطواف، ولكن عليها بدنة تذبح في مكة وتقسم على فقراء الحرم، وقد بينا من قبل أن الفتوى بالقول المرجوح عند فوات الأمر وصعوبة التدارك مما سوغه كثير من العلماء.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة