الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حج المرأة

حج المرأة

حج المرأة

أرسل الله عز وجل رسوله صلى الله وعليه وسلم إلى البشرية جمعاء ، وجعل الذكر كالأنثى في التكاليف والثواب والعقاب، قال الله تعالى: {من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون} (النحل:97)، وقال صلى الله عليه وسلم: (النساء شقائق الرجال) رواه أحمد و أبو داود و الترمذي ، وصححه ابن القطان .

ومع تساوي الرجال والنساء في الأحكام، إلا أن هناك بعض الأحكام تخص النساء، رحمة من الله بهن، حيث يختلفن في طبيعتهن عن الرجال. وبناءً على ما تقدم، فقد وضع العلماء قاعدة فقهية هي: "أن كل نص خوطب به الرجال فالنساء مخاطبات به أيضاً إلا ما استُثْنِيَ في الشرع"، ومن هذه الاستثناءات ما يلي:

1- مسألة خروج الُمْعتدَّة: فالمعتدة من طلاق رجعي هي في حكم الزوجة ، فإن أذن لها الزوج في الخروج للحج خرجت مع مَحْرَم ، أما المعتدة من وفاة زوجها ؛ فليس لها أن تخرج ؛ لأن لزوم المنزل والمبيت فيه واجب في العِدَّة، أما المطلقة ثلاثاً: فلها أن تخرج للحج إن وجدت المحرم لأنه لا دليل على منعها.

2- المَحْرَم للمرأة: وجود المحرم بالنسبة للمرأة شرط لوجوب الحج عليها، وبغيره تعتبر غير مستطيعة للحج، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ( لا تسافر المرأة إلا مع ذي مَحْرَم ) متفق عليه، ولو حجت بدون محرم فحجُّها صحيح..
وقد اختلف العلماء في اشتراط المَحْرَم للمرأة في الحج، والمعتمد صحة حجها برفقة آمنة، على أن تكون المرأة مأمونة في نفسها.. وذهب ابن تيمية إلى جواز سفر المرأة بحج الفريضة بدون محرم - إن عُدم - إذا أمنت على نفسها. وليُعلم أن هذا الخلاف هو في حج الفريضة دون حج النافلة، والراجح - والله أعلم - جواز سفر المرأة للحج مع رفقة مأمونة عند أمن الفتنة، وأمن الفتنة يُحدده الزمان والمكان ووسيلة السفر والرفقة فيه وحالة المرأة، فهو أمر يختلف باختلاف الأشخاص والأزمان والأحوال..

ومحارم المرأة هم :

أولاً: الزوج .

ثانيا: من تحرم عليه على التأبيد بنسب ، وهم سبعة : الأب ، والابن ، والأخ ، والعم ، وابن الأخ ، وابن الأخت ، والخال .

ثالثا : ما كان بسبب الرضاع ، وهم سبعة كالنسب .

رابعا: ما كان بسبب المصاهرة وهم أربعة: أبو زوجها، وابن زوجها، وزوج بنتها، وزوج أمها، والثلاثة الأول يحرمون عليها بمجرد العقد، أما زوج أمها فلا يكون محرما إلا إذا دخل بأمها.

ويشترط في المَحْرم الذي يجوز أن تسافر المرأة معه : أن يكون مسلماً بالغاً عاقلا .

وإذا استطاعت المرأة أداء الحج الواجب ووجدت محْرماً لها غير زوجها فإنها تستأذن زوجها ، فإن إذن لها فذاك ؛ وإن لم يأذن لها ، فلتنظر في سبب المنع ، فإن منعها لسبب غير مُعْتَبَر جاز لها الخروج للحج بغير إذنه ، وإن منعها لسبب معتبر أطاعته وأجلت حجها لعام قادم ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية : "وليس للزوج منع زوجته من الحج الواجب مع ذي محرم ، وعليها أن تحج وإن لم يأذن في ذلك ، حتى إن كثيراً من العلماء أو أكثرهم يوجبون نفقتها عليه مدة الحج".

3- إحرام المرأة كإحرام الرجل إلا في اللباس : المرأة كالرجل في الإحرام إلا في اللباس ، فإنها تلبس ما شاءت من الثياب إذا كانت مستوفية لشروط الحجاب ، ولكن لا يجوز لها أن تلبس النقاب أو البرقع ولا القفازين ، لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين ) رواه البخاري ، ولها أن تسدل الخمار على وجهها وتغطي كفيها بثيابها إن احتاجت لذلك كأن يكون حولها رجال أجانب .

4- صفة التلبية للنساء: مما تختلف فيه المرأة عن الرجل حيث إنها تخفض صوتها عند التلبية، ولذلك أجمع العلماء على أن المرأة لا يشرع لها أن ترفع صوتها بالتلبية بحضرة الرجال.

5- الرمل والاضطباع: الرمل هو الإسراع في المشي مع مقاربة الخُطا ، ويكون في طواف القدوم أو طواف العمرة بالبيت الحرام، أما الاضطباع فهو إظهار الكتف الأيمن، بأن يجعل وسط الرداء تحت إبطه وطرفاه على كتفه الأيسر . وهذا مما تختلف فيه المرأة عن الرجل ، فالمرأة ليس لها اضطباع ولا رمل في الطواف ، ولا إسراع بين الصفا والمروة ، ودليل ذلك ما رواه البيهقي عن عائشة رضي الله عنها قالت : ( يا معشر النساء ليس عليكن رمل بالبيت ، لكنّ فينا أسوة ) .

6- التقصير للنسك : الذي يشرع للمرأة في نُسُكِها هو أن تقصر من شعرها بمقدار أنملة ؛ قال ابن عباس -رضي الله عنهما - : ( ليس على النساء حلق إنما على النساء التقصير ) رواه أبو داود ، وصححه الألباني .

7ـ إن حاضت المرأة فخشيت فوات الحج : إذا دخلت المرأة في النسك بنية " التمتع " فلبَّت بالعمرة ثم حاضت قبل الطواف بالبيت ، وخشيت فوات الحج فإنها تدخل الحج على العمرة فتتحول إلى نسك " القِران " ، فتقف بعرفة وتفعل المناسك كلها غير أنها لا تطوف بالبيت حتى تطهر ، ودليل ذلك ما ثبت في مسلم عن عائشة رضي الله عنها أنها أهلت بالعمرة فلم تطف بالبيت حتى حاضت ، فنسكت المناسك كلها وقد أهلت بالحج ، فلما كان يوم النفر - وهو يوم الخروج من منى بعد أداء النسك - قال لها النبي صلى الله عليه وسلم : ( يسعك طوافك لحجك وعمرتك ) رواه مسلم ، ويلحق بالحائض كل من خشي فوات الحج من المتمتعين ، فلو أن رجلا قال : لبيك عمرة، ثم طرأ عليه مرض يمنعه من الطواف بالبيت حتى خشي فوات الوقوف بعرفة ، فإنه يدخل الحج على العمرة فيكون قارِناً ؛ وهذا مذهب جمهور أهل العلم .

8- لو حاضت المرأة ولم تطهر حتى خشيت فوات الرفقة الأصل أن الحائض لا تطوف بالبيت حتى تطهر ، لقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها لما حاضت : (افعلي كل ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت) متفق عليه ، ولكن إذا اضطرت الحائض لذلك ، فقد اختار بعض العلماء منهم شيخ الإسلام ابن تيمية أنها تطوف ولا شيء عليها ، وعلل ذلك بالضرورة .

بقي أن نشير إلى أن الطواف الذي هي مضطرة إليه هو طواف الإفاضة، أما غيره فلا ضرورة فيه فطواف القدوم يمكن تركه، وطواف الوداع خفف فيه عن الحائض ، فلا يجب عليها .

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة

لا يوجد مواد ذات صلة