الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

استنفار يمني لتسهيل زواج الشباب

استنفار يمني لتسهيل زواج الشباب

استنفار يمني لتسهيل زواج الشباب مثل بقية المجتمعات العربية يتفنن اليمنيون الميسورون في إحياء ليلة عمر لا تنسى لأبنائهم وبناتهم. الولائم والحفلات، والخيام التي تقفل الشوارع، والمطربون على مدار الساعة، واستئجار أغلى صالات الأفراح لأيام عدة، ونحر عشرات الخراف والعجول في ولائم تضاهي ولائم الزعماء؛ كلها مظاهر عادة ما تصاحب الأعراس لتأكيد "ثقل" اجتماعي وهوية محددة في تعاطي الكبار مع مثل هذه الأحداث، وفي أحيان كبيرة لترسيخ الحضور السياسي.

هذه المظاهر استشرت أخيرًا ولدت حالة من الإحباط لدى المقبلين على الزواج، فبدلاً من أن يهتم الشاب بتهيئة شقته وشراء مستلزماته الضرورية يضطر إلى تأجيل الفرح لأشهر وأحيانًا لسنوات كي يتمكن من تدبير مصاريف العرس الذي غالبًا ما يقترب من تكلفة بناء عش الزوجية بكامله.

عشرات من القصص يرويها شباب يمنيون ينتمون إلى الطبقة المتوسطة أو الفقيرة أجبرت الظروف بعضهم أن يشهر العنوسة في مواجهة مظاهر الترفيه في العرس أو طلبات العروس التي تود أن ينفذ لها حبيب القلب ما رأته في عرس صديقتها أو أختها أو جارتها.

سعيد واحد من هؤلاء الشباب المحبطين جاء إلى صنعاء بعد تخرجه من إحدى جامعات الأقاليم في تعز للبحث عن الرزق وتكوين نفسه، وبعد سنوات من الكد والتعب والإقامة مع أصدقائه في سكن بسيط حصل سعيد على فرصة عمل في إحدى المؤسسات الحكومية في صنعاء، الأمر الذي جعله يتطلع إلى إكمال نصف دينه. لم يتعب سعيد كثيرًا إذ ارتبط بفتاة تعمل معه في المؤسسة نفسها، ولكنه بعد عدة أشهر واجه العذاب كما يقول، إذ كان يعتقد أن المسألة بسيطة وأن أسرة الفتاة ستشتري رجلاً كما يقال في مثل هذه الأحوال.
طلبت العروس من سعيد قائمة من الاحتياجات خلال العرس وصلت قيمتها إلى 300 ألف ريال، فما كان منه إلا أن خلع دبلة الخطوبة تاركًا هداياه وباكيًا على ما أنفقه ومنتظرًا فرصة أخرى.

هذه الحالة التي تتكرر كثيرًا ويوميًا فرضت على القيادة اليمنية أن تتدخل لحماية الشباب وكانت البداية بإطلاق حملة رسمية لتسهيل زواج الشباب ومحاربة المظاهر المعوقة لإتمامه. وقد طلبت قيادات الدولة من مجلس الشورى دراسة هذه الظاهرة والخروج بتوصيات وطلبت من الحكومة تنفيذها وأهمها: "أن يكون المسؤولون في الدولة قدوة في التواضع في مظاهر الزواج والمناسبات الاجتماعية". باعتبار أن "في الإفراط إساءة إلى الدولة واستفزازًا للفقراء".
ليس ذلك فحسب، بل حرص الرئيس اليمني على أن يحضر بنفسه حفلات زواج جماعي لنحو 400 عريس من منتسبي وحدات الحرس الجمهوري في مختلف محافظات الجمهورية، في إطار المبادرة الاجتماعية لتيسير الزواج على الشباب في القوات المسلحة والأمن وفي المجتمع.
وقال الرئيس اليمني: إن "هذه المبادرة التي يتم من خلالها دخول 800 عريس وعروس إلى مرحلة جديدة في حياتهم، وتأسيس حياتهم الزوجية بسهولة ويسر، تمثل بادرة إيجابية تستحق التشجيع".

وحرص الرئيس اليمني كذلك على أن يبعد هذه المبادرة عن السياسة وأن يربطها بالجانب الاجتماعي ليسهم في حل مشكلة أكثر من أسرة، ولا يجب أن يكون عملاً سياسيًا، ولكنها ظاهرة اجتماعية إنسانية وخيرة، ينبغي أن يعمل الآخرون على تشجعيها". وطلب "الابتعاد عن كل مظاهر الإسراف والتباهي والبذخ في إقامة الحفلات والمناسبات الاجتماعية بما يحول دون زرع الأحقاد والضغائن في المجتمع، ومراعاة مشاعر الفقراء وذوي الدخل المحدود والترشيد في الإنفاق ولما فيه تحقيق المصلحة العامة".

وكان مجلس الشورى اليمني ناقش قضية الإسراف والبذخ في مظاهر الزواج ومراسم الوفاة والمناسبات الاجتماعية الأخرى لدى الميسورين.
وقال رئيس مجلس الشورى عبد العزيز عبد الغني إن المجلس "اتخذ توصيات في موضوع البذخ والترف الاجتماعي منها التزام أعضائه بأن يكونوا القدوة في تبسيط الولائم والمآدب وتيسير الزواج في إطار من الحرص على حماية القيم الاجتماعية من الممارسات التي تسيء إليها وفي مقدمها المغالاة في تكاليف الزواج".
وأضاف أن موضوع تيسير الزواج "يتجاوز اليوم في دلالاته كل تقديراتنا في هذا الشأن ليشمل الظواهر التي برزت بصورة ملفتة للنظر في الفترة الأخيرة مثل المغالاة في المهور والإسراف في الحفلات والمآدب وإقلاق السكينة العامة من خلال إطلاق الأعيرة النارية واستخدام مكبرات الصوت ونصب الخيام في الشوارع، ولتبدو مثل هذه الظواهر وكأنها جزء لا يتجزأ من عملية الزواج وهي ليست كذلك".
واصفًا تلك الظواهر بأنها "طارئة على الشعب اليمني وعبء مادي ومعنوي على الفرد والمجتمع، وتلقي بتأثيراتها السلبية على الظواهر الإيجابية وتسيء إلى مبدأ التكافل الاجتماعي، وتستفز مشاعر الآخرين وتدفعهم إلى المغالاة لمجرد التقليد والمباهاة".
وأكد مجلس الشورى اليمني على أهمية إقامة صالات خيرية لحفلات الأعراس الجماعية تشرف عليها المجالس المحلية ويمولها أهل الخير برسوم رمزية.

وقال وكيل وزارة الأوقاف والإرشاد الشيخ يحيى النجار: إن الوزارة "ستقوم بدور إيجابي من خلال العلماء والمرشدين وتعظيم رسالة المسجد للحض على الظواهر الإيجابية ومحاصرة الظواهر السلبية" مشيرًا إلى عزم الوزارة على إقامة أعراس جماعية على نفقة وقف الزواج.

وفي النهاية يأمل الشباب اليمني أن تكون هذه الخطوات لها آثارها الحقيقية والمشاهدة على أرض الواقع رغبة في الاستقرار وبناء أسر كريمة تكون لبنات قوية في نسيج المجتمع اليمني.
ـــــــــــــــ
الحياة : (15166)

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة