الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

زوجي حنون لكنه يرفض النقاش حين نختلف، فما الحل؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا متزوجة منذ سنة وبضعة أشهر، زوجي من خيرة خلقِ الله دينًا وخلُقًا، أحبه ويحبني. وننتظر مولودنا الأول.

مشكلة زوجي في طباعه، وأكثر ما يحزنني أنه لا يعير كلامي أي اهتمام، وحين أطلبه للنقاش في مسألة نختلف فيها، أو حينما أريد أن أخبره بما يزعجني أرى بأنه لا يستمع ولا يهتم لما أقول، فإن كان ما بيننا اختلافًا في الرأي يصد الباب ويرفض النقاش، وإن كانت مشاعر أريد الإفصاح عنها يسمعني دون أن يخفف الألم أو يهتم، وينتظرني حتى أنهي ما أريد قوله، وكأن شيئًا لم يكن.

أنا فتاة تربيت عند والدي على النصيحة، لا أستطيع كتم أمر أحتاج فيه إلى رأي أو مواساة، تربيت على يد رجل يحمل عني الهم والكدر، وأنا أعلم أن الزوجة لا ينبغي أن تكون كالبنت في دلالها، فأنا زوجة وعندي مسؤوليات الآن، ولكني لا أستطيع مقاومة ضعفي حين يجتاحني، ولا أستطيع إظهار قوتي بدون مساندة زوجي، وهو يعلم ذلك، ورغم ذلك لا يعطيني فرصة للكلام.

سألته بوضوح منذ فترة وقلت له: هل تستطيع أن تخبرني عن شخصيتك؟ هل هي من النوع الذي يقبل النقاش أم لا، حتى لا أكلفك ما لا تطيق؟ فأجاب باختصار: لا، هذا الأمر صار يحول دون سعادتنا في البيت حتى سيطر علينا شعور القلق والحزن.

وأنا أفكر إن كانت حياتنا بهذا القدر من عدم الاهتمام والاحترام، فكيف ستكون حياتنا بعد أن يرزقنا الله بطفلنا -إن شاء الله-؟ لأني أعتبر عدم تقديره لكلامي قلة اهتمام وعدم احترام لي.

يعز عليّ أننا نملك نفس الرؤية والأحلام والأهداف، أنعم الله علينا بالكثير من الأشياء التي تستحق أن نعيشها بعيدًا عن الكدر، ولكن ما الحيلة؟

طلبت منه أن يسمعني قليلًا يوم أمس، وأخبرته أنني أختنق وإن لم تستمع لي فمن يسمعني؟ هل تقبل أن أعود إلى والدي، أو إحدى أخواتي للحديث معهن؟ قال: لا، قلت: طيب هل أتحدث لأحد أفراد أسرتك؟ قال: بالتأكيد لا، وهو يعلم جيدًا أنني لن أقدم على هتك أسرار بيتي لأي مخلوق كان، فقلتُ: طيب لمن أتحدث؟ فقال ببرود مميت: لله.

زوجي مقتنع تمامًا بأنه غير مخطئ بتصرفاته، وحينما أقول له إنني أمانة في عنقه سوف يحاسبه الله عليها، يقول: الحمد لله أن أمرنا بيد الله وليس بيد عباده، وأنا أطمع في رحمة الله فوق كل شيء، بذرة الخير فينا موجودة، زوجي لا يستحق التوبيخ الكبير حيال ما يصنع، وأنا لا أستحق هذا الجفاء الذي يعاملني به، أستحلفكم بالله أن ترشدوني للطريق، ضعت وتشتت أفكاري.

والسلام عليكم ورحمة الله.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أم نافع حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -أختنا الكريمة- وردًا على استشارتك أقول:

لا بد من حصول بعض المشاكل الأسرية خاصة في السنوات الأولى من الزواج، والسبب في ذلك اختلاف البيئة التي تربى عليها كل من الزوجين، واختلاف الصفات التي يحملها كل منهما، ولذلك فمن المهم جدًا أن يتعرف كل طرف على نفسيات وصفات الطرف الآخر، ويجتهد بالرفق واللين في تغيير الصفات التي يراها سلبية في نظره، والأمر يحتاج إلى وقت وصبر، لأن تغيير الصفات التي شب عليها المرء ليس بالأمر السهل.

لا بد من التيقن من أن تلك الصفات التي يراها كل طرف سلبية هي فعلًا كذلك، فلربما كانت إيجابية، لكن لكونها ليست موجودة فيه فيراها سلبية، وهذا الأمر يحتاج إلى استشارة اختصاصيين، وعلى كل حال فالإنسان لا يمكن أن يستمر على تلك الصفات، فممارسة الحياة كفيلة في أن يغير كل طرف أساليبه.

المرأة الذكية الفطنة هي التي تجتهد في أن تتأقلم مع زوجها، وتتعرف على صفاته فتتعامل معه وفقها، لكن لا مانع من محاولة إصلاحه، والمحاسبة الشديدة على كل صغيرة وكبيرة مفسدة للحياة الزوجية، والتغافل عن كثير من التصرفات يجعل الحياة أكثر إيجابية، وخلق التغافل خلق نبوي ويتأكد بين الزوجين.

أكثري من التضرع بالدعاء بين يدي الله تعالى وأنت ساجدة أن يصلح الله حال زوجك، وأن يلهمه الرشد والصواب وتحيني أوقات الإجابة، وأكثري من دعاء ذي النون فما دعا به أحد في شيء إلا استجاب الله له يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الحُوتِ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ).

أكثري من التودد لزوجك وقومي بخدمته خير قيام، وتفنني في طهي طعامه وأحسني من استقباله وتوديعه، وهيئي له سبل الراحة عند عودته من العمل، واجعلي بيتك نظيفًا جذابًا، ولا تهملي التجمل له، فكوني بأبهي حلة على سبيل الدوام.

اهدي له بين الحين والآخر بما ترينه مناسبًا من الهدايا الرمزية، فالهدية تعمل في القلب عملها وتعمق المحبة وتأسر القلب يقول -عليه الصلاة والسلام-: (تهادوا تحابوا).

تصبري ولا تتعجلي، وإياك أن تتخذي قرارا في ساعة غضب فتندمي ففي الحديث: (التأني من الله والعجلة من الشيطان) وتحيني الأوقات المناسبة للتحاور مع زوجك وأسسًا لمبدأ الحوار البناء، وبيني له أنك لا تريدين من خلال ذلك التسلط أو السيطرة عليه، فإن من الأزواج من يفهم أن المرأة إذا أرادت التحاور مع زوجها ظن أنها تريد التسلط عليه.

لا تكثري من المسائل التي تتحاورين معه بها، ففي حال قبوله للتحاور اكتفي بمسألة واحدة، فالتدرج مطلوب في مثل هذه الأمور، وكوني دائمًا متفائلة واحذري من التشاؤم، فالتفاؤل يشرح الصدر ويفتح لك الآفاق، والتشاؤم يضيق الصدر ويكدر الحياة.

اهتمام الزوج بزوجته يختلف من شخص لآخر، فمنهم من يظهر من خلال كلامه، ومنهم من يظهر من خلال أفعاله وإكرامه لها، فهو يلبي طلباتها ولا يجعلها تحتاج لشيء، وهذا نوع من التعبير والاهتمام، لكن طبيعة المرأة أنها تحتاج إلى الكلام وليس إلى الأفعال، ولذلك تعتقد أن زوجها لا يهتم بها ولا يحترمها وهذا خطأ في الحقيقة.

لا شك عندي أن حياة زوجك بعد ولادتك ستتغير، لأنه سيوجد رابط قوي بينك وبينه وهو الولد، فتفاءلي وظني بالله خيرًا فإن الله عند ظن عبده به كما ورد في الحديث: (أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي إِنْ ظَنَّ خَيْرًا فَلَهُ ، وَإِنْ ظَنَّ شَرًّا فَلَهُ).

حاوريه على المبدأ دون شخصنة القضية، لا تقولي له مثلًا: لماذا تعاملني هكذا؟ بل قولي له كيف تتصرف المرأة، أو ما هو التعامل المثالي في كذا؟ وهو سيدرك وجه الخطأ وسيعمل على إصلاح نفسه، فمن الناس من يأنف أن يقال له أنت مخطئ.

لا تقارني نفسك كيف كنت في بيت والدك وكيف هي حياتك، فالحياتان تختلفان تمامًا، وإياك أن تقولي لزوجك كان أبي وكانت أمي، بل عيشي حياتك الحالية وسددي وقاربي.

عليك أن تغيري أسلوب تعاملك مع زوجك، ولا تنظري إلى صفاته التي ترينها سلبية، واجتهدي في تقزيمها، وعليك أن تركزي على الصفات الإيجابية وهي كثيرة، فاستثمريها ولا تكثري التوبيخ واللوم فذلك يسبب النفور.

اجتهدي في تقوية إيمانك من خلال كثرة العمل الصالح فبالإيمان والعمل الصالح توهب الحياة السعيدة والطيبة كما قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).

نسعد بتواصلك في حال أن استجد أي جديد، ونسأل الله لك التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً