الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أرهقتني زيادة وزني وسببت لي ما يشبه الهوس، فما الحل؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله.

أعاني من زيادة الوزن منذ صغري وصل للسمنة، وحاولت لسنوات إنقاص وزني، لكن ما زلت أعاني من زيادة بالوزن، وأصبح يُسبب لي ما يُشبه الهوس، وأحيانًا اُكثر من الأكل بسبب تعبي الذهني والجسدي، فأمضي الكثير من الوقت في التفكير، وسؤالي هنا: هل يعاقبني الله على لحظات ضعفي التي سببت زيادة في وزني؟ وهل هو عقاب إذا لم أتزوج بسبب زيادة وزني؟ وهل أنا لست مثالاً للمسلم الصالح الزاهد؛ لأني لا أسيطر على نفسي أمام الطعام، مع أن ذلك ليس ما يحدث في أغلب الوقت؟ وهل ذلك يُقلل من درجتي في الجنة.

شكرًا لكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أروى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -ابنتنا الكريمة- في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله تعالى أن يُقدّر لك الخير، وأن يصرف عنك كل سوءٍ ومكروه.

وواضح من سؤالك -ابنتنا الكريمة- بأنك قد عانيت كثيرًا في هذا الموضوع، وواضح من كلمات سؤالك أيضًا أنك قد بحثت كثيرًا من جزئياته، ونحن نرى -أيتها البنت العزيزة- أنه لا يُوجد ما يدعوك إلى كل ذلك العناء، فالأمر سهلٌ يسير.

أمَّا من حيث الأحكام الشرعية، فالفقهاء يُصرّحون بأنه لا يحرم من الأكل إلَّا ما زاد على الشبع الشرعي، وكان فيه مضرّة على جسم الإنسان، أمَّا ما كان زائدًا على الشبع، وليس فيه مضرَّة فهو مكروه، واستدلُّوا على ذلك بأحاديث كقوله (ﷺ): (‌الْمُؤْمِنُ ‌يَأْكُلُ ‌فِي مِعًى وَاحِدٍ، وَالْكَافِرُ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ)، ففيه ذمّ الإكثار من الأكل، والندب والدعوة إلى الأكل في معىً واحد، أي التقليل من الأكل، والله تعالى ذمَّ الكافرين بقوله: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ} [محمد: 12].

لكن وردت أحاديث تفيد بجواز الأكل حتى الشبع، فقد جاء في الحديث الصحيح عند البخاري وغيره أن النبي (ﷺ) أمر أبا هريرة بأن يشرب من اللبن، قال: (فَأَمَرَ لِي بِعُسٍّ مِنْ لَبَنٍ فَشَرِبْتُ مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ: عُدْ يَا أَبَا هِرٍّ فَعُدْتُ فَشَرِبْتُ، ثُمَّ قَالَ: عُدْ، فَعُدْتُ ‌فَشَرِبْتُ ‌حَتَّى اسْتَوَى بَطْنِي فَصَارَ كَالْقِدْحِ)، وفي رواية أخرى أنه شرب حتى قال: (حَتَّى قُلْتُ: لا، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ ‌لَا ‌أجِدُ ‌لَهُ ‌مَسْلكًا)، وفي هذا دليل على جواز الأكل والشرب حتى الشبع، والله تعالى يقول: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ * قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [الأعراف: 31-32].

وبهذا يتبيّن لك أن الأمر سهل يسير، وأنك إذا أكلت في بعض الأحيان حتى الشبع فإنك لم تقعي في الإثم، والمؤمن مدعوٌ إلى الإقلال من الأكل بالقدر الذي لا يضرّ بدنه.

وأمَّا هل يُقلّل من درجتك في الجنّة؟ فإنه إذا كان الأمر قد وصل إلى حد الإسراف المحرَّم فنعم، المعصية محرّمة وصاحبها في خطر النقصان، ولكن لا يستطيع أحد أن يجزم بحصول ذلك، فهوّني على نفسك الأمر، وخذي بالأسباب التي تدافعين بها المكروهات، ومنها محاولة التقليل من الأكل بقدر الاستطاعة، وممارسة التمارين الرياضية، والاستفادة من نصائح الأطباء في هذا الباب، وأشغلي نفسك بما يفيدك في الدنيا والآخرة، ولا تقعي أسيرة هذه الأفكار التي لا فائدة منها، بل ضررها كبير عليك.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقك لكل خير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً