أريد أن أصلي ولا أستطيع؛ فوجهوني!

2012-06-27 22:57:32 | إسلام ويب

السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا مسلم معترف بحقوق الله على المسلمين, ومن تلك الحقوق فريضة الصلاة, إلا أني متهاون بها بشكل كبير, بل يصل التهاون إلى أن لا أصلي أي فريضة أسابيع, وربما تهاونت في أداء فريضة الجمعة في كل أسبوع.

منذ المراهقة وفترة الجامعة كنت متهاونًا بها, لكن ليست بالصورة الحالية بعد أن رزقني الله بالوظيفة, ربما كنت بحاجة لعون الله للنجاح فيغلبني الرجاء من الله عبر الصلاة لتحقيق مطالبي.

حاولت كثيرًا التفكير في مدى أهمية الصلاة للمسلم, وقللت من أهميتها لعلمي أن من يصليها قد يكون يصليها رياء, وقد بكون ظالمًا وكذابًا ومرتشيًا, ورفضت آية " إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر" فكيف تكون الصلاة ناهية عن الفحشاء ومن يصليها قد يكون غارقًا في الحرام ومستمرًا عليه؟ ثم راجعت نفسي وأيقنت أن الصلاة بغض النظر عن آثارها على المسلم فهي حق من حقوق الله, يجب تأديتها كما تؤدى حقوق الناس من دَين وقرض.

للأسف: لا زلت متهاونًا في أداء فريضة الصلاة تهاونًا وكسلاً, إلا صلوات قلائل ينشرح صدري لأدائها فجأة, لا تتجاوز ثلاث إلى خمس صلوات في الشهر.

قد يظن البعض أن التهاون سببه هو الانشغال بأمور الدنيا ولهواتها, وهذا صحيح, وأنا أدعو الله دائمًا بدعوة سيدنا إبراهيم "رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي" ولكن التهاون يمتد حتى في أوقات العمل التي تعتبر فترة الصلاة فيها للكثير من الموظفين فسحة عن ضغط الدوام؛ لكني مع ذلك أتهاون بتركها كسلاً, حتى ولم يكن لدي الكثير لأقوم به في عملي.

أنا بالفعل أحس بالذنب, والإحراج من الله عز وجل بأني تركت فريضته, وقد أنعم علي بنعم لاتعد ولا تحصى, أهمها الوظيفة التي سدت حاجتي وضيقتي المادية, فقد كان أبي معسرًا قليلاً.

أنا لا أريد سوى شكر نعمة الله بالصلاة أولاً, ثم بترك المعاصي والذنوب, ولأن المعاصي واتباع الشهوات غارق بها فعلى الأقل يكون شكري لله من خلال الصلاة, والتصدق, ولله الحمد فأنا أقوم بتأدية الزكاة والصدقات في وقتها, لكن كثيرًا من الأحاديث تقول: إن الصلاة هي عماد الإسلام, وإذا صلحت صلحت سائر الأعمال؛ لذلك أخشى من الله أن تكون هذه النعم من سعة الرزق والمال استدراج من الله عز وجل.

الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ ناصر حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله, وعلى آله وصحابته ومن والاه.

بداية: نرحب بك - ابننا الكريم - في موقعك، ونسأل الله أن يسهل أمرك، وأن يلهمك السداد والرشاد، هو ولي ذلك والقادر عليه, ويسعدنا أن نشكر لك هذه الاستشارة التي تدل على أنك ناضج, وعالم بأهمية الصلاة، ونسأل الله أن يعينك على المواظبة عليها، وأن يتم النعمة عليك، فإن الصلاة مفتاح الأرزاق، وفيها رضا الله تبارك وتعالى.

والإنسان مهما أدى من العبادات والطاعات فإنه لا يستطيع أن يؤدي شكر نعمة واحدة من نعم الله تبارك وتعالى عليه، ونعم الله تبارك وتعالى لا تحصى ولا تعد، وأنت تعرف ذلك، فاجتهد في أن تواظب على هذه الفريضة العظيمة التي أدركت أنها ركن الإسلام الركين، وأن بقية الأعمال مترتبة على صلاح الصلاة؛ لأن أول ما يحاسب عليه الإنسان من عمله الصلاة، فإن صلحت صلح سائر العمل، وهي كذلك الميزان للإنسان والأعمال في الدنيا؛ فإن الناس إذا أرادوا أن يحكموا على أي إنسان فإنهم ينظرون في دينه، وأول ما ينظرون في دينه ينظرون في الصلاة، وإذا وجدنا رجلاً اعتاد المساجد فإنا نشهد له بالخير.

أما وجود من يصلي ويقصر في طاعة الله فهذا لا يبيح لك ولا له ترك الصلاة، فإنه سيأتي اليوم التي تنهاه الصلاة عن الفحشاء والمنكر، ولكن حتى يحصل ذلك ينبغي أن يحافظ على الصلاة، وإذا أساء الآخرون, فلماذا لا تحسن أنت!؟ فاسأل نفسك هذا السؤال، واعلم أن الله تبارك وتعالى يُمهل ولا يُهمل، وأنه يستر على العاصي ويستر عليه، فإذا تمادى في المعصية ولبس للمعاصي لبوسها هتك ستره العظيم وفضحه وخذله وحال بينه وبين الرجوع إليه سبحانه وتعالى.

نحن نخاف عليك من الوصول إلى هذه المرحلة، فاجتهد فيما يُرضي الله تبارك وتعالى، وواظب على الصلاة، وأنت - ولله الحمد - في أيام العافية، قبل أن يأتي اليوم الذي يحال فيه بينك وبين الصلاة، فلا تستطيع أن تؤديها على أكمل الوجوه، واعلم أن الصلاة كما أشرتَ واجبة، وأنها لا تسقط عن الإنسان بحال من الأحوال، والصلاة هي الفريضة التي تجب على المسلم في كل أحواله, حتى وإن كان في غرفة الإنعاش، فإنه يصلي كيف ما تيسر له، حتى وإن كانت الحرب تشتعل فإن الله شرع لنا صلاة الخوف، فالصلاة هي الفريضة التي لا تسقط عن الإنسان ما دام فيه نفس يصعد ويهبط، فاتقِ الله في نفسك، وعد إلى صوابك، والتزم بالصلاة.

وأرجو أن يكون في هذا الكلام دعوة لك للعودة إلى الصواب، وأنت - ولله الحمد – تكتب, وكتبت كلامًا جميلاً في منتهى الروعة، لكننا نذكرك بقول النبي - عليه الصلاة والسلام – عن الصلاة: (من حافظ عليها كانت له نورًا وبرهانًا ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نورًا ولا برهانًا ولا نجاة يوم القيامة، وحُشر يوم القيامة مع فرعون وهامان وقارون وأُبيُّ بن خلف), وهؤلاء هم أئمة الكفر والضلال، حتى قال ابن القيم: " إذا كان تارك الصلاة يُحشر معهم فهو مثلهم والعياذ بالله " قال عمر: (آلله لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة), وقال الإمام أحمد: (إنما حظهم في الإسلام بمقدار حظهم من الصلاة), وقال عمر أيضًا: (من ضيع في الصلاة كان لما سواها أضيع).

والمحافظة على الصلاة كانت من آخر وصايا رسولنا - عليه صلوات الله وسلامه – التي ظل يرددها ويغرغر بها صوته حتى مضى إلى الله تبارك وتعالى، وقال: (الصلاة، الصلاة، الصلاة، وما ملكت أيامنكم), فأدرك نفسك قبل فوات الأوان، وعُدْ إلى الله تبارك وتعالى، وإذا أساء من لا يصلي فكن أنت أهلاً للإحسان، واعلم أن الله سيحاسبهم أفرادًا, وقد قال: {وكلهم آتيه يوم القيامة فردًا}, ونحن سنلقى الله تبارك وتعالى أفرادًا، {كل نفس بما كسبت رهينة، إلا أصحاب اليمين، في جنات يتساءلون} عن مَن؟ {عن المجرمين} ماذا يسألونهم؟ {ما سلككم في سقر} بماذا ردوا عليهم؟ أول شيء: {قالوا لم نكُ من المصلين}.

واعلم أنه لا تزر وازرة وزر أخرى، والشيطان هو الذي يأتيك بمثل هذه الأفكار والوساوس، فتعوذ بالله من هذا العدو الذي لا يريدنا أن نسجد، ولا يريدنا أن نركع لله تبارك وتعالى؛ لأنه يريد أن يُكثّر أعوانه وجنوده من أصحاب الجحيم، قال تعالى: {إن الشيطان لكم عدوٌ فاتخذوه عدوًّا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير}, فهو القائل: {فبعزتك لأغوينهم أجمعين}, وهو القائل: {ولا تجد أكثرهم شاكرين}, وعاهد الله تعالى على ذلك، فحذارِ أن تكون من جند إبليس وحزبه، من الذين يستمعون إلى كلامه, ويستمتعون بتوجيهاته.

ونسأل الله تبارك وتعالى أن يحفظك, وأن يردك إلى السداد والصواب، هو ولي ذلك والقادر عليه.

www.islamweb.net