الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف يكون العبد تقيا متسامحا؟

السؤال

كيف لي أن أكون عبدا تقيا متسامحا؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فنسأل الله أن يجعلنا جميعا من المتقين، وقد أمرنا سبحانه بذلك فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ {آل عمران:102}.

قال بعض السلف: التقوى: أن تعمل بطاعة الله، على نور من الله، ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله، على نور من الله، تخاف عقاب الله.

وقال ابن جرير رحمه الله: اتَّقُوا اللَّهَ: خافوا الله، وراقبوه بطاعته، واجتناب معاصيه. وقال ابن مسعود في قوله: حَقَّ تُقَاتِهِ.: قال: أن يُطاع فلا يُعْصَى، وأن يُذْكَر فلا يُنْسَى، وأن يُشْكَر فلا يُكْفَر .

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: اتَّقِ اللَّهِ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعْ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ. رواه أحمد والترمذي والدارمي وحسنه الألباني.

قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله في شرحه للحديث السابق: والتقوى وصيةُ الله للأوّلين والآخرين. قال تعالى: ( وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللهَ )(النساء:131) وأصلُ التّقوى : أنْ يجعل العبدُ بينَه وبينَ ما يخافُه ويحذره وقايةً تقيه منه ، فتقوى العبد لربه أنْ يجعل بينه وبينَ ما يخشاه من ربه من غضبه وسخطه وعقابه وقايةً تقيه من ذلك، وهو فعلُ طاعته واجتنابُ معاصيه. انتهـى.

وقال أبوحامد الغزالي رحمه الله: إنما الفضيلة فى أمر هذه النفس أن تقوم عليها بقوة العزم فتمنعها عن كل معصية، وتصونها عن كل فضول، فإذا فعلت ذلك كنت قد اتقيت الله تعالى فى عينك وأذنك ولسانك وقلبك وبطنك وفرجك وجميع أركانك، وألجمتها بلجام التقوى، ولهذا الباب شرح يطول، وأما الذي لا بد منه هاهنا فأن نقول: من أراد أن يتقي الله فليراع الأعضاء الخمسة فإنهن الأصول: وهى العين والأذن واللسان والقلب والبطن، فيحرص عليها بالصيانة لها عن كل ما يخاف منه ضرراً في أمر الدين من معصية وحرام وفضول وإسراف من حلال، وإذا حصل صيانة هذه الأعضاء فمرجو أن يكف سائر أركانه، ويكون قد قام بالتقوى الجامعة بجميع بدنه لله تعالى. انتهـى.

وننصح للاستزادة حول موضوع التقوى بمراجعة كتاب: "التقوى الدُرَة المَفقُودة والغاية المَنشُودة" للشيخ أحمد فريد حفظه الله. ومراجعة الفتويين: 11844، 24800 . ولمعرفة صفات المتقين مراجعة الفتوى: 42230 .

وأما كيف يكون العبد متسامحا؟ فيكون ذلك بالسماحة، وهي كما قال الجرجانيّ في التعريفات أن المراد بها: بذل ما لا يجب تفضّلا. اهـ أو كما قال ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث أنّ المقصود بها: الجود عن كرم وسخاء. اهـ وقد قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: مَا الْإِيمَانُ ؟ فقَالَ: الصَّبْرُ وَالسَّمَاحَةُ. رواه أحمد وصححه الألباني.

قال ابن القيم معلقًا على هذا الحديث: وهذا من أجمع الكلام وأعظمه برهانا وأوعبه لمقامات الإيمان من أولها إلى آخرها ، فإن النفس يراد منها شيئان :

1- بذل ما أمرت به وإعطاؤه، فالحامل عليه : السماحة .

2 - وترك ما نهيت عنه والبعد عنه، فالحامل عليه : الصبر. انتهـى من مدارج السالكين .

ويكون التسامح مع الغير في المعاملات المختلفة بتيسير الأمور والملاينة، والتنازل عن الحقوق والإنصاف من النفس والعدل مع الآخرين، والإحسان إليهم والتغاضي عن هفواتهم، ومن كان سمح النّفس كان حسن المصاحبة لإخوانه ولأهله ولأولاده ولخدمه ولكلّ من يخالطه أو يرعاه.

ولمزيد من التفصيل راجع الفتوى : 72777 .

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني