السؤال
خطر على بالي هذان السؤالان لدى قراءتي لسورة طه.
الأول: من الآية 48 إلى الآية 58 كان الحديث قائماً بين سيدنا موسى وفرعون، إلا أنه من منتصف الآية 53 إلى الآية 56 أصبح المتحدث الله -عزَّ وجلَّ- ثم عاد الحديث مرة أخرى بين سيدنا موسى وفرعون. فما الحكمة من تغير طريقة سرد القصة؟
الثاني: أرجو أن لا يفهم أنني أعطي عذرًا لفرعون لبقائه على كفره بعد قصة السحرة، حيث إني أشعر أن هنالك أمرًا لا أستطيع فهمه، ولكن لو حدثت قصة السحرة مع أحدنا لقال: إن السحرة قد اتفقوا مسبقًا مع سيدنا موسى، خصوصًا أن السحر كان منتشرًا تلك الأيام، وكان فرعون يعتقد أن ما قام به سيدنا موسى هو من السحر أيضًا.
وأمر آخر: من أين أتوا بعلمهم عن العذاب والمغفرة وعن الجنات (الآية 74 إلى 76) وهم قد أسلموا لتوهم؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد ذكر الألوسي في تفسيره أن قوله تعالى: الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّن نَّبَاتٍ شَتَّى. {طه: 53}. يحتمل أن يكون ابتداءً، كلام منه -عزَّ وجلَّ- وكلام موسى قد تم عند قوله: ولا ينسى.
ويحتمل أن يكون من كلام موسى -عليه السلام-، على أن يكون قد سمعه من الله -عزَّ وجلَّ-، فأدرجه بعينه في كلامه، وقد رجح -رحمه الله- الاحتمال الأول، وذكر أنه يقويه قوله تعالى: وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى {طـه:56}.
وبناء عليه؛ يكون عود الحديث لموسى من باب أن الله -عزَّ وجلَّ- واصل في سرد القصة، فذكر أنه أرى فرعون آياته فكذب، ثم قال لموسى كذا فأجابه موسى بكذا.
وأما السؤال الثاني الذي لم تفصح فيه إفصاحًا كاملا؛ فجوابه أن فرعون مكابر جحود، كما أخبر الله عنه في قوله: وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ {النمل:14}.
وأخبر الله عنه في آية أخرى أنه اتهم موسى بأنه مسحور، لما جاء بالآيات التسع، فأجابه موسى بقوله: قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاء إِلاَّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَآئِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَونُ مَثْبُورًا {الإسراء:103}.
ففرعون كان مكابرا جحودًا، وموسى لم تكن آيات صدقه قاصرة على انتصاره على السحرة، بل جاءه بكثير من الآيات الأخرى فكذب وأبى.
وأما علم السحرة بالمغفرة والعذاب، فهو غير مستغرب، لاحتمال أن يكون موسى حدثهم بذلك، إذ من أهم الأمور التي يحدث بها الدعاة مدعويهم أن يحدثوهم عن ذلك، كما حدث نوح في قوله: قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاء لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ {نوح:3-4}.
وحدَّثَ نفر من الجن في قولهم: يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ {الأحقاف:31}.
إضافة إلى أن المفسرين قد ذكروا أن كبار السحرة كان أغلبهم من بني إسرائيل، أكرههم فرعون على تعلم السحر ومعارضة موسى، ويؤيد هذا قولهم: إنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى {طـه:73}.
والله أعلم.