الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

يقبل الله توبة التائب مهما عظمت ذنوبه

السؤال

أنا عبد كنت أرتكب معصية ثم أتوب عنها ثم أعود ثم أتوب وهكذا. إنني الآن مقبل على خير في ديني ودنياي ولكن منذ أن شرعت في هذا الخير ألا وهو الإقبال على العلم بكتاب الله تراودني وساوس بأنني ربما أكون قد فضحت في مرة من المرات التي ارتكبت فيها هذه المعصية في الماضي وإن فضيحتي قد تعم، ويؤرقني ذلك جدا حتى إنني فقدت الرغبة في الحياة وضاقت بي الأرض وما عدت أجد لذة لأي شيء، إنني لم أجهر بهذه المعصية أبدا ولم أتتبع يوما عورة مسلم، ولا أجد سببا يمكن أن يكون الله عز وجل قد يفضحني لأجله. أيكون الإصرار على المعصية سببا؟ أيكون الإعراض عن آيات الله سببا؟ إنني دائما حاولت الاستخفاء من الناس دون الله. أستغفر الله. أعينوني على نفسي والشيطان.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالحمد لله الذي من عليك بالرغبة في تعلم العلم النافع، والذي ننصحك به هو أن تمضي في طريقك ذاك، فإن شرف العلم وفضله لا يعدله شيء، والآيات والأحاديث الدالة على شرف العالم وطالب العلم أكثر من أن يأتي عليها الحصر، وحسبك أن الله لم يأمر نبيه صلى الله عليه وسلم بالاستزاده من شيء إلا من العلم: وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا. {طـه:114}.

واحذر أيها الأخ الكريم أن يصرفك الشيطان عن وجهتك تلك بما يوقعه في نفسك من الوساوس والشبهات المعيقة لك عن تحصيل مطلوبك، وما دمت قد تبت من هذا الذنب فإن الله تعالى يقبل توبتك ويقيل عثرتك ولا يؤاخذك به لا في الدنيا ولا في الآخرة إن شاء الله، ولا يضر كون هذا الذنب تكرر منك ما دمت قد تبت منه ولم تصر على فعله، فإذا علم الله منك صدق التوبة وصحة الندم على ما فعلت فإنه يوفقك ويسددك ويعينك، فإنه تعالى واسع الفضل عظيم المن، وفي الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال فِيمَا يَحْكِي عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْبًا فَقَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ، ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَبْدِي أَذْنَبَ ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ، ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ اعْمَلْ مَا شِئْتَ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ.

قال ابن حجر في الفتح: وقال القرطبي في المفهم يدل هذا الحديث على عظيم فائدة الاستغفار وعلى عظيم فضل الله وسعة رحمته وحلمه وكرمه، لكن هذا الاستغفار هو الذي ثبت معناه في القلب مقارنا للسان لينحل به عقد الإصرار ويحصل معه الندم فهو ترجمة للتوبة، ويشهد له حديث: خياركم كل مفتن تواب. ومعناه الذي يتكرر منه الذنب والتوبة فكلما وقع في الذنب عاد إلى التوبة لا من قال استغفر الله بلسانه وقلبه مصر على تلك المعصية، فهذا الذي استغفاره يحتاج إلى الاستغفار. قلت ويشهد له ما أخرجه ابن أبي الدنيا من حديث بن عباس مرفوعا: التائب من الذنب كمن لا ذنب له والمستغفر من الذنب وهو مقيم عليه كالمستهزئ بربه. والراجح أن قوله والمستغفر إلى آخره موقوف وأوله عند ابن ماجه والطبراني من حديث ابن مسعود وسنده حسن. وحديث: خياركم كل مفتن تواب. ذكره في مسند الفردوس عن علي. قال القرطبي: وفائدة هذا الحديث أن العود إلى الذنب وإن كان أقبح من ابتدائه لأنه انضاف إلى ملابسة الذنب نقض التوبة لكن العود إلى التوبة أحسن من ابتدائها لأنه انضاف إليها ملازمة الطلب من الكريم والالحاح في سؤاله، والاعتراف بأنه لا غافر للذنب سواه. قال النووي في الحديث: إن الذنوب ولو تكررت مائة مرة بل ألفا وأكثر وتاب في كل مرة قبلت توبته أو تاب عن الجميع توبة واحدة صحت توبته. وقوله اعمل ما شئت معناه ما دمت تذنب فتتوب غفرت لك. انتهى.

وعليك أيها الاخ الكريم أن تحسن الظن بربك تعالى، فإنه لا يخيب من قصده، ولا يطرد من أقبل عليه، واعلم أن الله تعالى يقبل توبة كل تائب مهما عظم ذنبه، فكيف تخشى الفضيحة وقد تبت من ذنبك ذاك، ولو فرض أن أحدا من الناس اطلع على هذا فما يضرك في هذا وقصدك الأول ورغبتك ووجهتك إنما هي إلى ربك تعالى، وهدفك إنما هو مرضاته وحده، فثق أنه تعالى إذا رضي عنك فإنه يرضي عنك خلقه، فلا تشغل نفسك بهذه الوساوس وتلك الأوهام التي يريد الشيطان أن يصدك بسببها عما ينفعك، واعلم أن الحسنات يذهبن السيئات، واشتغالك بالعلم وطلبه هو من أحسن الحسنات التي يرجى إن شاء الله أن تتدارك بها ما فرط منك.

نسأل الله أن يرزقنا وإياك توبة نصوحا.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني