الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا يوجد أحد لا يستحق الدعوة إلى الإسلام

السؤال

هل هناك من لا يستحق أن ندعوهم للإسلام؟ مثل الكفار المعتدين، أو المستهزئين بالدين، أو الجنود المحاربين للمسلمين.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فليس هناك من لا يستحق الدعوة إلى الإسلام، إلا من ثبت أنه لا يؤمن كقوم نوح بعد أن قال الله تعالى: وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ. { هود: 36 }.

أو ثبت أنه قد استحق العذاب والهلاك، كقوم لوط بعد نزول الملائكة الموكلة بإهلاكهم، ولذلك لما جادل الخليل إبراهيم ـ عليه السلام ـ في حقهم، قيل له: يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ. { هود: 76 }.

قال السعدي: إنه قد جاء أمر ربك ـ بهلاكهم ـ وإنهم آتيهم عذاب غير مردود ـ فلا فائدة في جدالك. هـ.

ولا يخفى أن ذلك بعد انقطاع النبوة لا يمكن الحكم به، وبالتالي، فليس هناك أحد على وجه الأرض ـ مهما كان كفره وعتوه وزندقته وطغيانه ـ لا يستحق الدعوة إلى دين الله تعالى، ومن تأمل أمر الله تعالى لنبيه وكليمه موسى وأخيه هارون ـ عليهما السلام ـ في حق عدو الله فرعون وهو من هو ـ أيقن أن الكفر والطغيان ـ مهما وصلا بالمرء ـ لا يحول ذلك بيننا وبين دعوته، قال الله عز وجل: اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى. { طه:43ـ 44 }.

قال السعدي: اذهبا إلى فرعون إنه طغى ـ أي: جاوز الحد، في كفره وطغيانه، وظلمه وعدوانه. هـ.

وكذلك في حق المستهزئين الذين قال الله فيهم: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ ـ 65ـ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ. { التوبة: 65ـ 66 }. قال بعدها: إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ. { التوبة: 66 }.

وهذا يدل على أن منهم من يتوب ويرجع إلى الله فيقبله تعالى برحمته، قال السعدي: إن نعف عن طائفة منكم ـ لتوبتهم واستغفارهم وندمهم. هـ.

وكذلك من تأمل حال أمثال: خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وأبي سفيان وعكرمة ابن أبي جهل وصفوان بن أمية ـ رضي الله عنهم ـ ممن طال حربهم ونكايتهم للمسلمين، ثم إلى أي حال صاروا ـ أيقن أن القلوب بيد الله يقلبها كيف يشاء سبحانه، وكذلك حال عمر بن الخطاب وعداوته للإسلام والمسلمين قبل إسلامه معلومة مشهورة.

وكذلك في عصرنا هذا، فكم من هؤلاء الذين خرجوا من ديارهم بطرا وأشرا، وبغيا وعدوانا، لحرب المسلمين، ثم رجعوا بعد ذلك مسلمين طائعين، تائبين منيبين.

والمقصود أن المسلم لو أتيحت له الفرصة ليبين الحق ويدعو إلى دينه أي إنسان ـ مهما كان حاله ـ فإنه ينبغي أن لا يقصر في ذلك ـ بحسب الإمكان ـ بأي سبيل تيسر.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني