السؤال
حول ما يُقال إن خلافة أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ قضيّة مُجمع عليها، فهل صحيح أنَّ علياً وأصحابه لم يكونوا ضمن هذا الإجماع؟.
حول ما يُقال إن خلافة أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ قضيّة مُجمع عليها، فهل صحيح أنَّ علياً وأصحابه لم يكونوا ضمن هذا الإجماع؟.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعلي ـ رضي الله عنه ـ لم ينكر هو ولا غيره أولوية أبي بكر رضي الله عنه بالخلافة، وقد بايع أبا بكر مرتين، فقد روى الحافظ البيهقي من طريق فيه ابن خزيمة عن أبي سعيد الخدري في قصة البيعة يوم السقيفة، وفيه: فبايعه عمر وبايعه المهاجرون والأنصار، قال: فصعد أبو بكر المنبر فنظر في وجوه القوم فلم ير الزبير، قال: فدعا بالزبير فجاء، فقال: قلت ابن عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحواريه أردت أن تشق عصا المسلمين، فقال: لا تثريب يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام فبايعه، ثم نظر وجوه القوم فلم ير علياً فدعا بعلي بن أبي طالب فجاء، فقال: قلت ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وختنه على ابنته أردت أن تشق عصا المسلمين، قال: لا تثريب يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعه، وقال أبو علي الحافظ: سمعت محمد بن إسحاق بن خزيمة، يقول: جاءني مسلم بن الحجاج فسألني عن هذا الحديث فكتبته له في رقعة وقرأته عليه، وهذا حديث يسوي بدنة، بل يسوي بدرة!.
وأما البيعة الثانية: فقد تمت بعد وفاة فاطمة ـ رضي الله عنها ـ كما روى الشيخان في صحيحيهما:عن عائشة أن فاطمة عليها السلام بنت النبي صلى الله عليه وسلم أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله صلى الله عليه وسلم مما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر، فقال أبو بكر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا نورث ما تركنا صدقة، إنما يأكل آل محمد صلى الله عليه وسلم في هذا المال ـ وإني والله لا أغير شيئا من صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حالها التي كان عليها في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأعملن فيها بما عمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئا، فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك فهجرته، فلم تكلمه حتى توفيت، وعاشت بعد النبي صلى الله عليه وسلم ستة أشهر، فلما توفيت دفنها زوجها عليٌّ ليلا، ولم يؤذن بها أبا بكر وصلى عليها، وكان لعلي من الناس وجه حياة فاطمة، فلما توفيت استنكر علي وجوه الناس فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته... فذكرت الحديث، وفيه: فلما صلى أبو بكر الظهر رقي على المنبر فتشهد وذكر شأن علي وتخلفه عن البيعة وعذره بالذي اعتذر إليه ثم استغفر، وتشهد علي فعظم حق أبي بكر وحدث أنه لم يحمله على الذي صنع نفاسة على أبي بكر ولا إنكارا للذي فضله الله به، ولكنا نرى لنا في هذا الأمر نصيبا فاستبد علينا فوجدنا في أنفسنا، فسر بذلك المسلمون وقالوا: أصبت، وكان المسلمون إلى علي قريبا حين راجع الأمر المعروف.
وقد أورد ابن كثير ـ رحمه الله ـ البيعتين، وقال بعد ذكر البيعة الثانية: فهذه البيعة التي وقعت من علي رضي الله عنه، لأبي بكر رضي الله عنه، بعد وفاة فاطمة رضي الله عنها، بيعة مؤكِّدة للصلح الذي وقع بينهما، وهي ثانية للبيعة التي ذكرناها أولاً يوم السقيفة، كما رواه ابن خزيمة وصححه مسلم بن الحجاج، ولم يكن علي مجانباً لأبي بكر هذه الستة الأشهر، بل كان يصلي وراءه ويحضر عنده للمشورة، وركب معه إلى ذي القصة كما سيأتي، وفي صحيح البخاري: أن أبا بكر رضي الله عنه صلى العصر بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بليال، ثم خرج من المسجد فوجد الحسن بن علي يلعب مع الغلمان، فاحتمله على كاهله وجعل يقول: يا بأبي شبه النبي، ليس شبيها بعلي، وعلي يضحك، ولكن لما وقعت هذه البيعة الثانية اعتقد بعض الرواة أن علياً لم يبايع قبلها فنفى ذلك، والمثبت مقدم على النافي كما تقدم وكما تقرر. والله أعلم. انتهى.
وقال ابن القاسم في كتابه: أبو بكر الصديق أفضل الصحابة، وأحقهم بالخلافة: أجمع الصحابة على أفضلية الصديق، وأنه أحق بالخلافة، وولوه باختيارهم ورضاهم من غير أن يضرب أحدًا منهم بسيف ولا عصى، ولا أعطى أحدًا ممن ولاه مالاً وقال عمر ـ رضي الله عنه ـ بمحضر المهاجرين والأنصار: أنت خيرنا وسيدنا وأحبنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ ولم ينكر منهم منكر، ولا قال أحد من الصحابة: إن غير أبي بكر من المهاجرين أحق بالخلافة منه، ولهذا قال عمر بن الخطاب في خطبته التي خطبها بمحضر من المهاجرين والأنصار: ليس فيكم من تقطع إليه الأعناق مثل أبي بكر ـ رواه البخاري ومسلم. اهـ.
وراجع لمزيد الفائدة الفتاوى التالية أرقامها: 2996، 13989، 114378.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني