السؤال
كنت قبل سنة تقريبًا -لم أعد كذلك الآن- أعمل الأعمال الصالحة على ثلاثة أقسام:
القسم الاول: ابتغاء الفردوس، واجتناب غضب الله، وجهنم.
القسم الثاني: في داخلي أقول: لعل الله يرضى عني، ويرزقني.
القسم الثالث: أقول: لعل الله أن ييسر لي الظروف؛ لكي أرزق( نفس ما طلبته في القسم الثاني). وكما تلاحظون فالقسم الثاني به نية متداخلة بأني أريد من الله أن يرضى عني، ومن ثم يعطيني ما أريده، أما القسم الثالث فهو من أجل أن يرزقني الله ما أطلبه، فهل فيما أفعله في القسم الثاني، أو الثالث شرك؟ وهل عليّ وزر؛ لأن النية لم تكن كما في القسم الأول؟ وهل يغضب الله عليّ لما أفعله في القسمين الأخيرين؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فأما القسم الثاني الذي يشتمل على نية التقرب بالعبادة، مع ملاحظة وطلب النفع الدنيوي، فلا بأس به -إن شاء الله-، وتؤجر عليه بحسب إخلاصك، قال الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله تعالى ـ في القول المفيد شرح كتاب التوحيد: الإنسان إذا أراد بعمله الحسنيين ـ حسنى الدنيا، وحسنى الآخرة ـ; فلا شيء عليه؛ لأن الله يقول: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: من الآية2-3]، فرغبه في التقوى بذكر المخرج من كل ضيق، والرزق من حيث لا يحتسب.
فإن قيل: من أراد بعمله الدنيا، كيف يقال: إنه مخلص، مع أنه أراد المال مثلًا؟
أجيب: إنه أخلص العبادة، ولم يرد بها الخلق إطلاقًا، فلم يقصد مراءاة الناس، ومدحهم، بل قصد أمرًا ماديًّا; فإخلاصه ليس كاملً؛ لأن فيه شركًا، ولكن ليس كشرك الرياء، يريد أن يمدح بالتقرب إلى الله، وهذا لم يرد مدح الناس بذلك، بل أراد شيئًا دنيئًا غيره. اهـ.
وأما القسم الثالث، وهو الذي فعلت فيه العبادة لأجل حصول غرض دنيوي فقط من غير التفاتٍ للثواب الأخروي، فإنه يعتبر من "العمل من أجل الدنيا" الذي قال الله تعالى فيه: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ {هود: 15، 16}، وهذا لا ثواب لصاحبه؛ قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: من عمل صالحًا التماس الدنيا، صومًا أو صلاة، أو تهجدًا بالليل، لا يعمله إلا التماس الدنيا، يقول الله: أُوفيه الذي التمس في الدنيا من المثابة، وحبط عمله الذي كان يعمله التماس الدنيا، وهو في الآخرة من الخاسرين. وهكذا روي عن مجاهد، والضحاك، وغير واحد. اهـ.
ويدل على ذلك أيضًا قول النبي صلى الله عليه وسلم: فَمَنْ عَمِلَ عَمَلَ الْآخِرَةِ لِلدُّنْيَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الْآخِرَةِ نَصِيبٌ. رواه أحمد في المسند، وابن حبان في صحيحه، وصححه الألباني، وقد بوّب الشيخ محمد بن عبد الوهاب في كتابه "التوحيد" بابًا فقال: بابٌ من الشرك إرادة الإنسان بعمله الدنيا. وذكر فيه الآية السابقة.
وعليه؛ فهذا القسم داخل في الشرك الأصغر، وتجب منه التوبة إلى الله.
وراجع لمزيد الفائدة الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 197723، 25249، 300781، 96471.
والله أعلم.