السؤال
معروف أن أهل العلم في الجرح والنقد مختلفون، فمنهم المتساهل، ومنهم المعتدل –كأحمد، والبخاري-، ومنهم المتشدد -كابن حزم، والنسائي-، فهل عندما يقصد أهل العلم أن العالم الفلاني متساهل في الجرح والنقد يلزم منه أنه متساهل في التصحيح والتضعيف؟ وكمثال: هناك من هم متساهلون في الجرح والنقد –كالترمذي، وابن خزيمة، وابن حبان- فهم أيضًا متساهلون في التصحيح وأظن ـ حسب فهمي القاصرـ أن هذا معلوم في علم الحديث بالضرورة، ومعروف أن الحديث: عمرو عن أحمد عن محمد عن خالد ـ كمثال فقط - فإذا كان متساهلًا في جرح الرجال ونقدهم، فهو أيضًا متساهل في التصحيح؛ لأن تصحيح الحديث ينبني على نقد وجرح الرجال، فهل هذا صحيح؟ وإذا كنت أريد الاجتهاد في التصحيح والتضعيف -كبعض طلبة العلم- فهل يلزم أن أتخصص في علم الحديث كعلماء الحديث وطلبة العلم المتخصصين في علم الحديث؟ أم إن هذا لا يلزم؟ أجد بعض علماء الأمة يتخصصون في الفقه مثلًا، أو غيره، ويحكمون على هذا الحديث بالصحة أو الضعف كابن عثيمين ـ رحمه الله ـ فهل يستطيع طالب العلم أن يتخصص في الفقه، أو العقيدة، ويكون له تخصص في تصحيح الحديث وتضعيفه؟ وإذا كان الجواب: لا، ويلزم الشخص إن أراد تصحيح وتضعيف الأحاديث أن يكون متخصصًا في علم الحديث، فما الكتب أو المنهج الذي ينبغي أن يسير عليه؟ وهل من الضروري حفظ كثير من الرجال وأقوال العلماء في نقدهم وجرحهم؟ وجزاكم الله خيرًا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالتساهل في الجرح والتعديل أحد أسباب التساهل في تصحيح الأحاديث، ولكن ليس بينهما تلازم، فقد يوصف أحد العلماء بالتساهل في التصحيح، ولا يكون ذلك بسبب تساهله في الجرح والتعديل، كما وقع ذلك للحاكم في المستدرك، فإن سبب تساهله في التصحيح لم يكن بسبب تساهله في الجرح والتعديل، بل حاله فيه حال الأئمة العارفين، يبيّن ذلك العلامة المعلمي اليماني ـ رحمه الله ـ حيث يقول: أنه ـ أي: الحاكم ـ شرع في تأليف المستدرك بعد أن بلغ عمره اثنتين وسبعين سنة، وقد ضعفت ذاكرته -كما تقدم عنه-، وكان ـ فيما يظهر ـ تحت يده كتب أخرى يصنِّفها مع المستدرك، وقد استشعر قرب أجله، فهو حريص على إتمام المستدرك، وتلك المصنفات قبل موته، فقد يتوهم في الرجل يقع في السند أنهما أخرجا له، أو أنه فلان الذي أخرجا له، والواقع أنه رجل آخر، أو أنه لم يجرح، أو نحو ذلك، وقد رأيت له في المستدرك عدة أوهام من هذا القبيل يجزم بها، فيقول في الرجل: قد أخرج له مسلم مثلًا، مع أن مسلمًا إنما أخرج لرجل آخر شبيهٍ اسمُه باسمه، ويقول في الرجل: فلان الواقع في السند هو فلان بن فلان، والصواب أنه غيره، لكنه مع هذا كلِّه لم يقع خللٌ ما في روايته؛ لأنه إنما كان ينقل من أصوله المضبوطة، وإنما وقع الخلل في أحكامه، فكل حديث في المستدرك فقد سمعه الحاكم كما هو، هذا هو القَدْر الذي تحصل به الثقة، فأما حكمه بأنه على شرط الشيخين، أو أنه صحيح، أو أن فلانًا المذكور فيه صحابي، أو أنه هو فلان بن فلان، ونحو ذلك، فهذا قد وقع فيه كثير من الخلل، هذا، وذكرهم للحاكم بالتساهل إنما يخصونه بالمستدرك، فكتبه في الجرح والتعديل لم يغمزه أحد بشيء مما فيها فيما أعلم؛ وبهذا يتبين أن التشبّث بما وقع له في المستدرك، وبكلامهم فيه لأجله، إن كان لإيجاب التروِّي في أحكامه التي في المستدرك، فهو وجيه، وإن كان للقدح في روايته، أو في أحكامه في غير المستدرك في الجرح والتعديل، ونحوه، فلا وجه لذلك، بل حاله في ذلك كحال غيره من الأئمة العارفين، إن وقع له خطأ فنادر، كما يقع لغيره، والحكم في ذلك اطراح ما قام الدليل على أنه أخطأ فيه، وقبول ما عداه. انتهى.
وأما تصحيح الأحاديث وتضعيفها: فلا يجوز لأحد الاجتهاد في ذلك، إلا أن يكون من أهله المتخصصين فيه، ومن لم يكن منهم، فلا يجوز له الاجتهاد، بل فرضه اتباع ما حكم به علماء الحديث، والعمل بما قالوه.
وأما المنهج المتبع في علم الحديث: فراجع بشأنه الفتوى رقم: 182031، وما أحيل فيها من فتاوى.
وأما عن سؤالك الأخير: فقد ذكرنا في الفتوى رقم: 18051، أن علماء الجرح والتعديل لا بد أن تتوفر فيهم أمور، منها: الخبرة الكاملة بالحديث، وعِلله، ورجاله.
والله أعلم.