هل المرأة تمذي؟ وهل مذيها نجس؟ ولماذا التعسير بإيجاب التطهير من الإفرازات والمذي؟

30-3-2014 | إسلام ويب

السؤال:
هل المرأة تمذي؟ ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن كل فحل يمذي ـ فمن أين جئتم بأن المرأة تمذي كالرجل؟ ولو فرضنا أنها تمذي، فهل هو نجس؟ لأن الرسول عليه أفضل الصلاة والتسليم أمر عليًّا ـ رضي الله عنه ـ بالاستنجاء والنضح، وهذا لا يعني أن الشيء ذاته يجب على المرأة؛ لأن مكان خروج المذي عند الرجل من مخرج البول، أما المرأة فليس كذلك، وإذا كان خروجه من المهبل، فكيف أصبح نجسًا؟ وكيف تقولون بطهارة فرج المرأة، وطهارة الإفرازات المهبلية، ومنكم من يرى طهارة المني، فكيف تقولون إن مذيها نجس؟ وكيف تقولون إن مني المرأة ومذيها يخرج من مخرج واحد؟ وعند ثوران الشهوة وجدته يخرج من جانبي المهبل، وليس من المهبل، أرجو منكم أن تبحثوا في هذا الأمر لرفع المشقة عنا، فليس هناك دليل على أن المرأة تمذي كالرجل، ولو فرضنا ذلك فالمخرج ليس سواء، وليس الذكر كالأنثى، وكيف تقولون إن إفرازات المرأة طاهرة، وفي نفس الوقت تنقض الوضوء؟ فكيف لطاهر أن ينقض الوضوء؟ فستقولون إن الريح ليس لها جرم، ومع ذلك تنقض الوضوء، فالريح تخرج من مخرج القاذورات، ورائحتها كريهة؛ لذلك تنقض الوضوء، أما الإفرازات فإنها من مسلك طاهر، وليست كريهة الرائحة، ولا تنفك المرأة عنها لحكمة إلهية، فلماذا التضييق على الأمة، والتعسير عليها؛ مما أدخل الكثيرين في عنت ومشقة، وكثرت الإصابة بالوسواس القهري، وترك الكثيرون الصلاة، وتثاقلوا عنها بسبب تعسير أمور الطهارة، خاصة المرأة، فأرجو أن تسألوا الأطباء عن هذه الإفرازات، ومكان خروجها الصحيح، وما إذا كانت نجسة؟ فقد قرأت من الفتاوى العجب! فهناك من يقول: إن خروج ماء الاستنجاء ناقض،
ودخول الماء في الإحليل للصائم يبطل الصوم، وبلع النخامة يفطر، وخروج ماء من الدبر بعد الاستنجاء نجس، وإذا شك الإنسان بين المني والمذي وجب عليه الغسل، مع أن المعروف أن الشك في الطهارة لا يؤثر إلا إذا تيقن نقيض ذلك، ونزول المذي عند البعض من العلماء يفطر، وما جعل علينا في الدين من حرج، أشياء لا تخطر على بال! وبهذا تفتحون باب الشك، والدخول في دوامات الوسواس، فاتقوا الله فينا،
وأنا إحدى المتضررات، يسروا ولا تعسروا.

الإجابــة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد: 

فههنا أمور ننبهك عليها:

أولًا: ليس لمسلم أن يعترض على أحكام الشرع بمجرد الرأي، بل العقل تابع للوحي، وليس العكس، فالواجب على المسلم أن يذعن لحكم الله تعالى، وأن يتهم رأيه في دين الله تعالى، ولا يتحكم في الشرع بعقله، وقد روى ابن أبي شيبة في مصنفه عن أبي مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال: اتهموا الرأي، وعليكم بالجماعة، فإن الله لم يكن ليجمع أمة محمد صلى الله عليه وسلم على ضلالة.

ثانيًا: لا بد من معرفة أقدار العلماء، وإحسان الظن بهم، والعلم بأنهم لا يصدرون فيما يقررونه إلا عن أدلة الوحي، وهم أعلم بقواعد الشرع، وأدلته، ومقاصده من المعترض عليهم بمجرد رأيه.

ثالثًا: هذه الشريعة مبنية على اليسر، كما قال تعالى: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ {الحج:78}.

وليس معنى هذا ألا يكون فيها أمر بما يشق البتة، بل قد ترد بعض التكاليف بنوع مشقة؛ لما فيها من مصلحة العباد، فالله سبحانه أعلم بما يصلح عباده من أنفسهم، فإذا قام الدليل على وجوب أمر ما أو تحريم فعل ما لم يجز دفعه بأنه مشتمل على ما يشق على المكلفين، بل ما دامت هذه التكاليف داخلة في الوسع، لم يمتنع أن يأمر الله بها، ويشرعها لعباده، كما قال تعالى: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا {البقرة:286}.

فالممتنع أن يكلف الله العباد ما لا يطيقون، وأما تكليفهم بما فيه نوع مشقة فليس منافيًا ليسر الشريعة، ورفعها الحرج عن المكلفين.

رابعًا: إذا علمت ما ذكرناه، فإن كون المرأة تمذي أمر محسوس، لا سبيل إلى دفعه وإنكاره، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: النساء شقائق الرجال. أخرجه أبو داود.

والمذي نجس قطعًا، وهذا شبه إجماع من العلماء، ولم يفرق أحد منهم البتة بين مذي الرجل ومذي المرأة، ولسنا ندري ما هو الحرج والعسر في تطهير المذي، وغسله من البدن، ونضحه من الثياب، وأي وسوسة يجلبها هذا الحكم؟.

خامسًا: الحكم على الأعيان بالطهارة والنجاسة مرده إلى الشرع المطهر، فما حكم الشرع بنجاسته فهو نجس، وما لا فهو طاهر، وراجعي في بيان نجاسة المذي والفرق بينه وبين المني المحكوم بطهارته الفتوى رقم: 153465.

فإذا ورد الشرع بنجاسة المذي من الرجل، ولم يفرق أحد من العلماء بين الرجل والمرأة في ذلك، وجب المصير إلى هذا، وامتنعت معارضته بالآراء الغثة.

سادسًا: رطوبات الفرج ناقضة للوضوء في قول عامة العلماء، ولا نعلم قائلًا بعدم نقضها للوضوء قبل ابن حزم  ـ رحمه الله ـ وليس ثم إشكال في نقضها للوضوء، ولا حرج أو ضيق في الوضوء منها، وأمر نواقض الوضوء كغيره مردود إلى حكم الشرع، وإذا أجمعت الأمة على قول لم يجز خرق إجماعها، وكون هذه الإفرازات خارجة من السبيل فهو معنى يوجب القول بنقضها للوضوء، كما هو واضح، ومن كانت مبتلاة بدوام هذه الإفرازات بحيث لا تنفك عنها، فقد أتى الشرع المطهر بالتخفيف عليها، فإنها تتوضأ بعد دخول الوقت، ويكفيها هذا الوضوء، فتصلي به الفرض وما شاءت من النوافل، وعند مالك ـ رحمه الله ـ أنه لا يلزمها الوضوء لكل صلاة، ولقوله قوة واتجاه، والخطب سهل.

وعلى كل حال، فليس ثم ما يدعو إلى هذا التشنج، وإطلاق هذه العبارات الفجة، ومن ضبط هذه الأحكام ضبطًا حسنًا انتفت عنه كل وسوسة، واندفعت عنه الأوهام.

سابعًا: لا تلازم بين القول بنجاسة المذي ونقض رطوبات الفرج للوضوء وبين الوسوسة، كما أنه لا تلازم بين القول بنجاسة البول مثلًا ونقضه للوضوء وبين الوسوسة، فالموسوس أتي من قبل نفسه، لا من قبل أحكام الشرع، وقد سد الشرع باب الوسوسة، فشرع لمن شك في انتقاض طهارته ألا يلتفت إلى الشك؛ حتى يحصل له اليقين الجازم بخلاف ذلك، وشرع للموسوس أن يعرض عن الوساوس، وألا يعيرها اهتمامًا، وقد كثر كلام العلماء في هذا المعنى، وذكرنا هذا في فتاوى كثيرة تنظر منها الفتويان رقم: 51601، ورقم: 134196.

وإنما يَتَّهم أهل العلم بأن فتاواهم تجلب الوسوسة من لم يطلع على كلامهم، ولم يحط به.

ثامنًا: ما ذكرته من المسائل التي زعمت أنها تجلب الوسواس: منها ما هو متفق عليه، ومنها ما هو محل اجتهاد، ولسنا بصدد الكلام عليها؛ إذ ليست هي محل السؤال، والخوض في تحرير المقال فيها يطول، غير أننا نجمل ما بسطناه فنقول: الواجب الوقوف حيث أوقفنا الله تعالى، فما أجمع عليه العلماء لم يجز الخروج عنه، وما اختلفوا فيه فإن المقلد يقلد من يثق بعلمه ودينه.

وأما الوسوسة: فعلى من ابتلي بها أن يسد بابها، فلا يسترسل معها، ولا يعرها اهتمامًا.

والله أعلم.

www.islamweb.net