[ ص: 137 ] 24 - باب عهد الإمام إلى عماله كيف يسيرون في أهل الإسلام والكفر
2171 - قال : حدثنا الحارث داود بن المحبر ، ثنا أبي المحبر بن قحذم ، عن المسور بن عبد الله الباهلي ، عن بعض ولد الجارود ، عن الجارود أنه أخذ هذه النسخة [من نسخة] عهد العلاء بن الحضرمي الذي كتبه له النبي صلى الله عليه وسلم ، حين بعثه على البحرين : محمد بن عبد الله النبي الأمي القرشي الهاشمي رسول الله ، ونبيه إلى خلقه كافة ؛ للعلاء بن الحضرمي ، ومن معه من المسلمين ، عهدا عهده إليكم ، اتقوا الله أيها المسلمون ما استطعتم فإني قد بعثت عليكم العلاء بن الحضرمي وأمرته ؛ أن يتقي الله وحده لا شريك له ، وأن يلين لكم الجناح ، ويحسن فيكم السيرة بالحق ، ويحكم بينكم وبين من لقي من الناس بما أنزل الله عز وجل في كتابه من العدل ، وأمرتكم بطاعته إذا فعل ذلك وقسم فقسط ، واسترحم فرحم ، فاسمعوا له وأطيعوا ، [ ص: 138 ] وأحسنوا مؤازرته ومعاونته ، فإن لي عليكم من الحق طاعة وحقا عظيما ، لا تقدرون كل قدره ، ولا يبلغ القول كنه [حق] عظمة الله ، وحق رسوله ، كما أن لله ولرسوله على الناس عامة ، وعليكم خاصة حقا واجبا ، فطاعته والوفاء بعهده [ورضي الله عمن اعتصم بالطاعة ، وعظم حق أهلها وحق ولاتها] كذلك للمسلمين على ولاتهم حقا [واجبا وطاعة ، فرض الله تعالى عمن اعتصم بالطاعة ، وعظم حق أهلها وحق ولاتها] ، فإن في الطاعة دركا لكل خير يبتغى ، ونجاة من كل شر يتقى ، وأنا أشهد الله على من وليته شيئا من أمور المسلمين قليلا أو كثيرا فلم يعدل فيهم أن لا طاعة له ، وهو خليع مما وليته ، وقد برئت ذمة الذين معه من المسلمين وأيمانهم وعهدهم [وذمتهم] ، وليستخيروا الله تعالى عند ذلك ثم ليستعملوا عليهم أفضلهم في أنفسهم ، ألا وإن أصابت العلاء من مصيبة ، فخالد بن الوليد رضي الله [ ص: 139 ] عنه سيف الله فيهم خلف للعلاء بن الحضرمي فاسمعوا له وأطيعوا ما عرفتم أنه على الحق ، حتى يخالف الحق إلى غيره ، فسيروا على بركة الله وعونه ونصره وعافيته ورشده وتوفيقه ، فمن لقيتم من الناس فادعوهم إلى كتاب الله المنزل وسننه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإحلال ما أحل الله لهم في كتابه ، وتحريم ما حرم الله عليهم في كتابه ، وأن يخلعوا الأنداد ويبرؤوا من الشرك والكفر ، ويكفروا بعبادة الطاغوت واللات والعزى ، وأن يتركوا [عبادة] بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من عيسى ابن مريم ، وعزير بن حروة . ، والملائكة والشمس والقمر [والنيران] وكل شيء يتخذ ضدا من دون الله تعالى ، وأن يتولوا الله ورسوله ، وأن يتبرأوا مما برئ الله ورسوله منه ، فإذا فعلوا ذلك وأقروا به ودخلوا في الولاية ، فبينوا لهم عند ذلك ما في كتاب الله الذي تدعونهم إليه ، فإنه كتاب الله المنزل مع الروح الأمين على صفوته من العالمين محمد بن عبد الله [عبد الله] ورسوله ونبيه [وحبيبه] ، أرسله رحمة للعالمين [عامة] [ ص: 140 ] الأبيض [منهم] والأسود ، الإنس والجن ، كتاب الله فيه نبأ كل شيء كان قبلكم ، وما هو كائن بعدكم ، ليكون حاجزا بين الناس ، يحجز الله تعالى به بعضهم عن بعض ، [وفيه] إعراض بعضهم عن بعض ، وهو كتاب الله مهيمنا على الكتب ، مصدقا لما فيها من التوراة والإنجيل والزبور ، يخبركم فيه الله بما كان قبلكم مما فاتكم دركه في آبائكم الأولين ، الذين أتتهم رسل الله وأنبياؤه ، كيف كان جوابهم وبما أرسلهم ، وكيف كان تصديقهم بآيات الله تعالى أو تكذيبهم بهما ، وأخبر الله تعالى في كتابه بشأنهم وعملهم ، وعمل من هلك منهم بدينه ، لتجتنبوا ذلك ، وأن لا تعملوا مثله ، لئلا يحق عليكم في كتاب الله تعالى من [ ص: 141 ] عقابه وسخطه ونقمته مثل الذي حل عليهم من سوء أعمالهم ، [لتهاونهم بأمر الله عز وجل ، وأخبركم في كتابه بأعمال من مضى ممن كان قبلكم لتعملوا بمثل أعمالهم] بين لكم في كتابه هذا شأن ذلك كله ، رحمة منه بكم ، وشفقة من ربكم عليكم ، وهو هدى من الضلالة ، وتبيان من العمى ، وإقالة من العثرة ، ونجاة من الفتنة ، ونور من الظلمة ، وشفاء عند الأحداث ، وعصمة من التهلكة ، ورشد من الغواية ، وبيان من اللبس ، وفيصل ما بين الدنيا والآخرة ، فيه كمال دينكم ، فإذا عرضتم هذا عليهم ، فأقروا لكم به فاستكملوا الولاية ، فاعرضوا عليهم عند ذلك الإسلام ، وهو الصلوات الخمس ، وإيتاء الزكاة ، وحج البيت ، وصيام رمضان ، والغسل من الجنابة ، والطهور قبل الصلاة ، وبر الوالدين ، وصلة الرحم المسلمة ، وحسن الصحبة [حتى] للوالدين المشركين ، فإذا فعلوا ذلك فقد أسلموا ، فادعوهم بعد ذلك [ ص: 142 ] إلى الإيمان وانصبوا لهم شرائعه ومعالمه ، والإيمان بشهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده [ورسوله] ، وأن ما جاء به محمد الحق ، وأن ما سواه الباطل ، والإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله وأنبيائه واليوم الآخر ، والإيمان بما بين يديه وما خلفه من التوراة والإنجيل والزبور [والبعث والنشور والحساب] والجنة والنار والموت والحياة والإيمان بالله ورسوله وللمؤمنين كافة ، فإذا فعلوا ذلك وأقروا به فهم مسلمون مؤمنون ، ثم دلوهم بعد ذلك إلى الإحسان ، وعلموهم [أن] الإحسان أن يحسنوا فيما بينهم وبين الله تعالى في أداء الأمانة ، وعهده الذي عهده إلى رسله ، وعهد رسله إلى خلقه وأئمة المؤمنين ، والتسليم وسلامة المسلمين من كل غائلة لسان أو يد ، وأن يبتغي لبقية المسلمين كما يبتغي لنفسه ، والتصديق لمواعيد [ ص: 143 ] الرب ولقائه ومعاينته والوداع من الدنيا في كل ساعة ، والمحاسبة للنفس عند استيفاء كل يوم وليلة ، وتزود من الليل والنهار ، والتعاهد لما فرض الله تأديته إليه في السر والعلانية ، فإذا فعلوا ذلك فهم مسلمون مؤمنون محسنون ، ثم انعتوا لهم الكبائر ، ودلوهم عليهم ، وخوفوهم من الهلكة في الكبائر ، فإن الكبائر هي الموبقات ، وأولاهن : الشرك بالله إن الله لا يغفر أن يشرك به والسحر ، وما للساحر من خلاق ، وقطيعة الرحم لعنهم الله ، والفرار من الزحف ، فقد باء بغضب من الله ، والغلول يأت بما غل يوم القيامة فلا يقبل منهم ، وقتل النفس المؤمنة فجزاؤه جهنم ، وقذف المحصنة لعنوا في الدنيا والآخرة ، وأكل مال اليتيم يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا ، وأكل الربا فأذنوا بحرب من الله ورسوله .
[ ص: 144 ] فإذا انتهوا عن الكبائر فهم مسلمون مؤمنون محسنون متقون ، فادعوهم بمثل ذلك إلى العبادة ، والعبادة : الصيام ، والقيام ، والخشوع ، [والخضوع] ، والركوع ، والسجود ، والإنابة ، واليقين ، والإخبات ، والتهليل ، والتسبيح ، والتحميد ، والتكبير ، والصدقة بعد الزكاة ، والتواضع ، والسكون ، والمواساة ، والدعاء ، والتضرع ، والإقرار بالملك والعبودية ، والاستقلال بما كثر من العمل الصالح ، فإذا فعلوا ذلك فهم مؤمنون مسلمون محسنون متقون عابدون ، وقد استكملوا العبادة فادعوهم عند ذلك إلى الجهاد وبينوه لهم ، ورغبوهم فيما رغبهم الله فيه من فضيلة الجهاد وثوابه عند الله ، فإن انتدبوا فبايعوهم وادعوهم حتى تبايعوهم إلى سنة الله وسنة رسوله ، عليكم عهد الله وذمته سبع كفالات ، يعني : الله كفيل على الوفاء سبع مرات - لا تنكثون أيديكم من بيعة ولا تنقضون أمر وال من ولاة المسلمين ، فإذا أقروا بهذا فبايعوهم ، واستغفروا الله لهم ، فإذا خرجوا يقاتلون في سبيل الله غضبا لله عز وجل ونصرا لدينه ، فمن لقوا من الناس فليدعوهم إلى ما دعوا إليه من [ ص: 145 ] كتاب الله بإجابته ثم إسلامه وإيمانه وإحسانه وتقواه وعبادته وجهاده ، فمن اتبعهم فهو المستحث المستكثر [المسلم] المؤمن المحسن المتقي العابد المجاهد ، له ما لكم وعليه ما عليكم ، ومن أبى هذا عليكم فقاتلوهم حتى يفيء إلى أمر الله وإلى دينه ، ومن عاهدتم وأعطيتموه ذمة الله ففوا له بها ، ومن أسلم وأعطاكم الرضا فهو منكم وأنتم منه ، ومن قاتلكم على هذا من بعد ما سمعتموه له فاقتلوه ، ومن صال بكم فحاربوه ، ومن كايدكم فكايدوه ، ومن جمع لكم فاجمعوا له ، ومن غالكم فغيلوه ، أو خادعكم فاخدعوه من غير أن تعتدوا أو ماكركم فامكروا به من غير أن تعتدوا سرا أو علانية ، فإنه من انتصر بعد ظلمه [ ص: 146 ] فأولئك ما عليهم من سبيل واعلموا أن الله معكم يراكم ويرى أعمالكم ، ويعلم ما تصنعونه كله ، فاتقوا الله وكونوا على حذر ، فإنما هذه أمانة أمنني ربي عليها ، أبلغها عباده ، عذرا منه إليهم ، وحجة منه ، أحتج بها على من بلغه هذا الكتاب من الخلق جميعا فمن عمل بما فيه نجا ، ومن اتبع بما فيه اهتدى ، ومن خاصم به أفلح ، ومن قاتل به نصر ، ومن تركه ضل حتى يراجعه ، فتعلموا ما فيه ، وأسمعوا آذانكم ، وأوعوه أجوافكم ، واستحفظوه قلوبكم ; فإنه نور الأبصار ، وربيع القلوب وشفاء لما في الصدور ، وكفى بهذا أمرا ومعتبرا ، وزاجرا وعظة وداعيا إلى الله [ورسوله] ، فهذا هو الخير الذي لا شر فيه ، كتاب محمد عبد الله ورسوله ونبيه للعلاء بن الحضرمي حين بعثه إلى البحرين يدعو إلى الله ورسوله ، يأمره أن يدعو إلى ما فيه من حلال ، وينهى عما فيه من حرام ، ويدل على ما فيه من رشد ، وينهى عما فيه من غي ، كتاب ائتمن عليه نبي الله العلاء بن الحضرمي [ ص: 147 ] وخليفته سيف الله ، وقد أعذر إليهما في الوصية بما في هذا الكتاب [و] إلى من معهما من المسلمين ، ولم يجعل لأحد منهم عذرا في إضاعة شيء منه ، لا الولاة ولا المتولى عليهم ، فمن بلغه هذا الكتاب من الخلق جميعا فلا عذر له ولا حجة ، ولا يعذر بجهالة شيء مما في هذا الكتاب ، كتب هذا الكتاب لثلاث من ذي القعدة ، لأربع سنين مضين من مهاجر نبي الله إلا شهرين ، شهد الكتاب يوم كتبه خالد بن الوليد ابن أبي سفيان يمله عليه عثمان [ ابن عفان ] رضي الله عنه ، رسول الله صلى الله عليه وسلم [جالس] ، المختار بن قيس القرشي ، وأبو ذر الغفاري ، وحذيفة بن اليمان العبسي ، وقصي بن أبي عمر الحميري ، وشبيب بن أبي مرثد الغساني ، والمستنير ابن أبي صعصعة الخزاعي ، وعوانة بن شماخ [ ص: 148 ] الجهني ، وسعد بن مالك الأنصاري ، وسعد بن عبادة الأنصاري ، وزيد بن عمير ، والنقباء ، ورجل من قريش ، ورجل من جهينة ، وأربعة من الأنصار حتى دفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى العلاء بن الحضرمي وسيف الله رضي الله عنهم خالد بن الوليد .