فصل وأما قراءتها في الصلاة فإن أبا حنيفة وابن أبي ليلى والثوري والحسن بن صالح وأبا يوسف ومحمدا وزفر كانوا يقولون بقراءتها في الصلاة بعد الاستعاذة قبل فاتحة الكتاب ، واختلفوا في تكرارها في كل ركعة وعند افتتاح السورة ؛ فروى والشافعي عن أبو يوسف أنه يقرؤها في كل ركعة مرة واحدة عند ابتداء قراءة فاتحة الكتاب ، ولا يعيدها مع السورة عند أبي حنيفة أبي حنيفة . وأبي يوسف
وقال محمد [ ص: 14 ] عن والحسن بن زياد : إذا قرأها في أول ركعة عند ابتداء القراءة لم يكن عليه أن يقرأها في تلك الصلاة حتى يسلم ، وإن قرأها مع كل سورة فحسن قال أبي حنيفة : وإن كان مسبوقا فليس عليه أن يقرأها فيما يقضي ؛ لأن الإمام قد قرأها في أول صلاته ، وقراءة الإمام له قراءة . الحسن
قال : وهذا يدل من قوله على أنه كان يرى أبو بكر بسم الله الرحمن الرحيم من القرآن في ابتداء القراءة ، وأنها ليست مفردة على وجه التبرك فقط حسب إثباتها في ابتداء الأمور والكتب ، ولا منقولة عن مواضعها من القرآن .
وروى هشام عن قال : سألت أبي يوسف عن أبا حنيفة بسم الله الرحمن الرحيم قبل فاتحة الكتاب وتجديدها قبل السورة التي بعد فاتحة الكتاب ، فقال قراءة : يجزيه قراءتها قبل الحمد وقال أبو حنيفة : يقرأها في كل ركعة قبل القراءة مرة واحدة ويعيدها في الأخرى أيضا قبل فاتحة الكتاب وبعدها إذا أراد أن يقرأ سورة قال أبو يوسف محمد : فإن قرأ سورا كثيرة وكانت قراءته يخفيها قرأها عند افتتاح كل سورة ، وإن كان يجهر بها لم يقرأها ؛ لأنه في الجهر يفصل بين السورتين بسكتة قال : وهذا من قول أبو بكر محمد يدل على أن قراءة بسم الله الرحمن الرحيم إنما هي للفصل بين السورتين أو لابتداء القراءة ، وأنها ليست من السور ، ولا دلالة فيه على أنه كان لا يراها آية وأنها ليست من القرآن .
وقال : هي من أول كل سورة فيقرأها عند ابتداء كل سورة قال الشافعي : وقد روي عن أبو بكر ابن عباس أنها تقرأ في كل ركعة وعن ومجاهد إبراهيم قال : إذا قرأتها في أول كل ركعة أجزأك فيما بقي .
وقال : لا يقرؤها في المكتوبة سرا ولا جهرا ، وفي النافلة إن شاء قرأ وإن شاء ترك . مالك بن أنس
والدليل على أنها تقرأ في سائر الصلوات حديث أم سلمة أن وأبي هريرة بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين . النبي عليه السلام كان يقرأ في الصلاة :
وروى قال : أنس بن مالك وأبي بكر وعمر فكانوا يسرون وعثمان بسم الله الرحمن الرحيم ، وقال في بعضها : يخفون ، وفي بعضها : كانوا لا يجهرون ومعلوم أن ذلك كان في الفرض ؛ لأنهم إنما كانوا يصلون خلفه في الفرائض لا في التطوع ؛ إذ ليس من سنة التطوع فعلها في جماعة ، وقد روي عن صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم عائشة وعبد الله بن المغفل وأنس بن مالك . أن النبي عليه السلام كان يفتتح القراءة بالحمد لله رب العالمين
وهذا إنما يدل على ترك الجهر بها ولا دلالة فيه على تركها رأسا فإن قال قائل : روى أبو زرعة بن عمرو بن جرير عن ، قال : [ ص: 15 ] أبي هريرة الحمد لله رب العالمين ولم يسكت . كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نهض في الثانية استفتح ب
قيل له : ليس فيه دليل من قبل أنه إن ثبت أنه لم يقرأها في الثانية فإنما ذلك حجة لمن يقتصر عليها في أول ركعة ، فأما أن يكون دليلا على تركها رأسا فلا . لمالك
وقد روي قراءتها في أول الصلاة عن علي وعمر وابن عباس من غير معارض لهم من الصحابة فثبت بذلك قراءتها في الفرض والنفل لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة من غير معارض لهم ، وعلى أنه لا فرق بين الفرض والنفل لا في الإثبات ولا في النفي كما لا يختلفان في سائر سنن الصلاة . وابن عمر
وأما وجه ما روي عن في اقتصاره على قراءتها في أول ركعة دون سائر الركعات وسورها فهو لما ثبت أنها ليست من أوائل السور ؛ وإن كانت آية في موضعها على وجه الفصل بين السورتين أمرنا بالابتداء بها تبركا ثم ثبت أنها مقروءة في أول الصلاة بما قدمناه ، وكانت حرمة الصلاة حرمة واحدة وجميع أفعالها مبنية على التحريمة ، صار جميع الصلاة كالفعل الواحد الذي يكتفى بذكر اسم الله تعالى في ابتدائه ولا يحتاج إلى إعادته وإن طال ، كالابتداء بها في أوائل الكتب ، وكما لم تعد عند ابتداء الركوع والسجود والتشهد وسائر أركان الصلاة ، كذلك حكمها مع ابتداء السورة والركعات ويدل على أنها موضوعة للفصل ما حدثنا أبي حنيفة محمد بن بكر ، قال : حدثنا ، قال : حدثنا أبو داود عن سفيان بن عيينة عمرو عن عن سعيد بن جبير ، قال : ابن عباس بسم الله الرحمن الرحيم . كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يعرف فصل السورة حتى ينزل
وهذا يدل على أن موضوعها للفصل بين السورتين ، وأنها ليست من السور ، ولا يحتاج إلى تكرارها عند كل سورة فإن قال قائل : إذا كانت موضوعة للفصل بين السورتين فينبغي أن يفصل بينهما بقراءتها على حسب موضوعها قيل له : لا يجب ذلك ؛ لأن الفصل قد عرف بنزولها .
وإنما يحتاج في الابتداء بها تبركا ؛ وقد وجد ذلك في ابتداء الصلاة ، ولا صلاة هناك مبتدأة فيقرأ من أجلها ، فلذلك جاز الاقتصار بها على أولها .
وأما من قرأها في كل ركعة فوجه قوله : إن كل ركعة لها قراءة مبتدأة لا ينوب عنها القراءة في التي قبلها فمن حيث احتيج إلى استئناف القراءة فيها صارت كالركعة الأولى ، فلما كان المسنون فيها قراءتها في الركعة الأولى ؛ كان كذلك حكم الثانية ؛ إذ كان فيها ابتداء قراءة ، ولا يحتاج إلى إعادتها عند كل سورة لأنها فرض واحد ، وكان حكم السورة في الركعة الواحدة حكم [ ص: 16 ] ما قبلها لأنها دوام على فعل قد ابتدأه ، وحكم الدوام حكم الابتداء كالركوع إذا أطاله ، وكذلك السجود وسائر أفعال الصلاة الدوام على الفعل الواحد منها حكمه حكم الابتداء ، حتى إذا كان الابتداء فرضا كان ما بعده في حكمه وأما من رأى إعادتها عند كل سورة فإنهم فريقان :
أحدهما : من لم يجعلها من السورة ، والآخر من جعلها من أوائلها فأما من جعلها من أوائلها فإنه رأى إعادتها كما يقرأ سائر آي السورة .
وأما من لم يرها من السورة فإنه يجعل كل سورة كالصلاة المبتدأة فيبتدئ فيها بقراءتها كما فعلها في أول الصلاة ؛ لأنها كذلك في المصحف ، كما لو ابتدأ قراءة السورة في غير الصلاة بدأ بها ، فلذلك إذا قرأ قبلها سورة غيرها .
وقد روى أن أنس بن مالك بسم الله الرحمن الرحيم ثم قرأ إنا أعطيناك الكوثر إلى آخرها حتى ختمها وروى النبي صلى الله عليه وسلم قال : أنزلت علي سورة آنفا ثم قرأ عن أبيه أن أبو بردة النبي صلى الله عليه وسلم قرأ بسم الله الرحمن الرحيم الر تلك آيات الكتاب وقرآن مبين فهذا يدل على أنه عليه السلام قد كان يبتدئ قراءة السورة في غير الصلاة بها ، وكان سبيلها أن يكون كذلك حكمها في الصلاة .
وقد روى عن عبد الله بن دينار أنه كان يفتتح أم القرآن ب ابن عمر بسم الله الرحمن الرحيم ويفتتح السورة ب بسم الله الرحمن الرحيم .
وروى عن جرير المغيرة ، قال : أما إبراهيم فقرأ في صلاة المغرب : ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل حتى إذا ختمها وصل بخاتمتها لإيلاف قريش ولم يفصل بينهما ب بسم الله الرحمن الرحيم