الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وليس في العوامل والحوامل والعلوفة صدقة ) خلافا لمالك . له ظواهر النصوص . ولنا قوله عليه الصلاة والسلام { ليس في الحوامل والعوامل ولا في البقر المثيرة صدقة } ، ولأن السبب هو المال النامي [ ص: 194 ] ودليله الإسامة أو الإعداد للتجارة ولم يوجد ، ولأن في العلوفة تتراكم المؤنة فينعدم النماء معنى . ثم السائمة هي التي تكتفي بالرعي في أكثر الحول حتى لو علفها نصف الحول أو أكثر كانت علوفة لأن القليل تابع للأكثر .

التالي السابق


( قوله لظواهر النصوص ) مثل { في خمس ذود من الإبل شاة ، وفي كل ثلاثين من البقر تبيع أو تبيعة } ( قوله ولنا قوله عليه الصلاة والسلام { ليس في الحوامل } إلخ ) غريب بهذا اللفظ .

وروى أبو داود عن عاصم بن ضمرة والحارث عن علي قال زهير : وأحسبه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { هاتوا ربع العشور من كل أربعين درهما درهم ، وليس عليكم شيء حتى تتم مائتي درهم ففيها خمسة دراهم ، فما زاد فعلى حساب ذلك ، وليس على الحوامل شيء } ورواه الدارقطني مجزوما ليس فيه قال زهير قال ابن القطان هذا سند صحيح .

ولقائل أن يقول : هذا الحديث بعد صحته يحتمل كونه مقارنا لأصل تشريع الزكاة فيكون مخصصا ، ويحتمل كونه متأخرا فيكون ناسخا ، ويحتمل كونه متقدما فيكون منسوخا بالعام على أصلنا أعني نحو قوله { في خمس من الإبل شاة } فالاستدلال به متوقف على ضبط التاريخ ، فإن لم يضبط انتصب معارضا ، وحينئذ يجب تقدم عموم الإيجاب لأنه الاحتياط . ويجاب بأن العموم ليس على صرافته بالاتفاق لتخصيص غير السائمة فيترجح [ ص: 194 ] حديث العوامل بقوة الدلالة حينئذ . وأما على أصلهم فيجب تقديم الخاص مطلقا فلا يحتاج إلى هذا التقرير . ثم لا يخفى أن العوامل تصدق على الحوامل والمثيرة فالنفي عنها نفي عنهما .

وقد روي في خصوص اسم المثيرة حديث مضعف في الدارقطني { ليس في المثيرة صدقة } قال البيهقي : الصحيح أنه موقوف ( قوله ولأن في العلوفة إلخ ) دفع لقول مالك : إن النماء في العلوفة أكثر فهي أولى بشرعية الزكاة فيها ، فقال لا بل ينعدم بالكلية ظاهرا فضلا عن الأكثرية لأن القدر الذي يزيد بالسمن لا يفي بخرج المؤنة في المدة التي تظهر فيها الزيادة .

فإن قيل : لو كانت العلوفة للتجارة وجب فيها زكاة التجارة ، فلو انعدم النماء بالعلف امتنع فيها . قلنا : النماء في مال التجارة بزيادة القيمة ولم تنحصر زيادة ثمنها في السمن الحادث ، بل قد يحصل بالتأخير من فصل إلى فصل أو بالنقل من مكان إلى مكان ، بخلاف غير المنوية للتجارة النماء فيها منحصر في السمن فثبت أن علفها لا يستلزم عدم نمائها ، إذا كانت للتجارة ولا هو ظاهر فيه ( قوله هي التي تكتفي بالرعي في أكثر الحول ) اعترض في النهاية بأن مرادهم تفسير السائمة التي فيها الحكم المذكور فهو تعريف بالأعم إذ بقي قيد كون ذلك لغرض النسل والدر والتسمين ، وإلا فتشمل الإسامة لغرض الحمل والركوب وليس فيها زكاة . وقالت الشافعية في بعض الوجوه : يشترط الرعي في كل الحول [ ص: 195 ] وفي بعضها إن علفها بقدر ما تبين فيه مؤنة علفها أكثر مما لو كانت سائمة فلا زكاة فيها . قلنا : لا يزول اسم السائمة بالعلف اليسير شرعا لأنه عليه الصلاة والسلام أوجب على أهل ديارهم مع العلم بأنها لا تكتفي بالسوم في جميع السنة إذ لا يوجد في جميع السنة في ديارهم بل ولا غيرها ما تكتفي به ، ولو وجد في غيرها لم يمكنهم ذلك في زمن شدة البرد والثلج والأمطار المستمرة ، فلو اعتبر انتفت الزكاة ، فعلم أن العلف اليسير لا يزول به اسم السوم المستلزم للحكم . وإذا كان مقابله كثيرا بالنسبة كان هو يسيرا ، والنصف ليس بالنسبة إلى النصف كثيرا ، فلو أسامها نصف الحول لا زكاة فيها ولأنه يقع الشك في ثبوت سبب الإيجاب ، وما ذكره المصنف من التعليل بالتبعية إنما يستقيم تعليل قوله أو أكثر ، وما ذكرنا يعمه مع نصف الحول




الخدمات العلمية