الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [زكاة ذوات الزيت]

                                                                                                                                                                                        الزكاة تجب فيما يراد منه زيته ، وذلك في خمسة : الزيتون ، والجلجلان ، وحب الفجل وبزر الكتان والقرطم ، على اختلاف في هذه الثلاثة . فقال مالك في المدونة : في حب الفجل الزكاة إذا بلغ خمسة أوسق . وقال في المجموعة : في بزر الكتان وحب القرطم لا زكاة فيهما . قيل له : إن بعض الناس يعصر منه الزيت الكثير ، فقال : فيزكى إذا كثر . قال سحنون . وقد قال : لا زكاة فيه ، قال : وهو أحب إلي . وقال ابن القاسم في كتاب محمد : لا زكاة في بزر الكتان ، ولا في زيته ؛ إذ ليس بعيش . وقيل في بزر الفجل [ ص: 1077 ] أيضا : لا زكاة فيه . ويلحق بهذه بزر السلجم إذا عمل بمصر ، والجوز إذا عمل بخراسان ، وقد ذكر أنهم يعولون على زيتها للأكل .

                                                                                                                                                                                        فأما الزيتون فالأصل فيه قول الله سبحانه : وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات [الأنعام : 141] ؛ ولأنه في البلدان التي هو بها مقتات وأصل للعيش . وكذلك الجلجلان باليمن والشام هو عندهم عمدة في الاستعمال للأكل ، ولا تجب فيه الزكاة عندنا بالمغرب على أصل المذهب : أن الزكاة إنما تجب فيما كان مقتاتا أصلا للعيش ؛ لأنه إنما يراد للعلاج ويقام منه الادهان كالبنفسج والورد والياسمين وما أشبه ذلك ، وقد تقدم من قول أبي الحسن ابن القصار في التين : أنه لا يزكى في المدينة ، ويزكى بالشام ، ولأن هذه الأشياء لم يأت في زكاتها نص عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وإنما ترد إلى غيرها مما تجب فيه الزكاة إذا وجدت فيها الشروط التي تجب بها الزكاة .

                                                                                                                                                                                        وأما بزر الكتان فالصواب أن لا زكاة فيه ؛ لأنه لا يراد للأكل ، ولا في حب القرطم ؛ لأنه ليس مما يعيش ، ولأن النصاب في الحبوب خمسة أوسق ، [ ص: 1078 ] فإذا كانت هذه الأوسق لا تخرج من الزيت إلا يسيرا علم أنها ليست من الأموال التي قصد وجوب الزكاة فيها بذلك النصاب ؛ لأن الزكاة مواساة من الأغنياء إلى الفقراء ، ولا يصح أن يجعل نصاب أكثر من خمسة أوسق .

                                                                                                                                                                                        ولو قحطت السماء عن الزيتون فحط زيته عن المعتاد بالشيء البين ، فصار إلى النصف أو ما أشبه ذلك ، لم تجب الزكاة في خمسة أوسق منه ، والعادة أنه يعصر من قفيز زيتون ما يزيد على العشرين قفيزا زيتا ، ربما الخمسة والستة ونحو ذلك . وقد قحطت السماء عندنا في بعض السنين فكان يخرج من القفيز الزيتون خمسة أقفزة زيتا ونحوها ، وهذا شبيه بالجوائح ، فإن وجد من الزيتون فوق خمسة أوسق مما يخرج قريبا من الخمسة الأوسق على الوجه المعتاد كانت فيه الزكاة . وهذا بخلاف القرطم لورود النص بوجوب الزكاة في الزيتون دون الآخر .

                                                                                                                                                                                        وتجب الزكاة في حب الفجل بمصر ؛ لأنه يراد للأكل وهو مما يكثر زيته . [ ص: 1079 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية