كتاب . ذم الغرور
وهو الكتاب العاشر من ربع المهلكات من كتاب إحياء علوم الدين .
بسم الله الرحمن الرحيم .
الحمد لله الذي بيده مقاليد الأمور وبقدرته مفاتيح الخيرات والشرور مخرج أوليائه من الظلمات إلى النور ومورد أعدائه ورطات الغرور والصلاة على محمد ، مخرج الخلائق من الديجور وعلى آله وأصحابه الذين لم تغرهم الحياة الدنيا ولم يغرهم بالله الغرور صلاة تتوالى على ممر الدهور ومكر الساعات والشهور .
أما بعد ، فمفتاح السعادة التيقظ والفطنة ومنبع الشقاوة الغرور والغفلة فلا نعمة لله على عباده أعظم من الإيمان والمعرفة ولا وسيلة إليه سوى انشراح الصدر بنور البصيرة ولا نقمة أعظم من الكفر والمعصية ، ولا داعي إليهما سوى عمى القلب بظلمة الجهالة .
فالأكياس وأرباب البصائر قلوبهم كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور والمغترون قلوبهم كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور فالأكياس هم الذين أراد الله أن يهديهم فشرح صدورهم للإسلام والهدى والمغترون هم الذين أراد الله أن يضلهم فجعل صدرهم ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء .
الذي لم تنفتح بصيرته ليكون بهداية نفسه كفيلا وبقي في العمى فاتخذ الهوى قائدا والشيطان دليلا والمغرور هو ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا وإذا عرف أن الغرور هو أم الشقاوات ومنبع المهلكات فلا بد من شرح مداخله ، ومجاريه ، وتفصيل ما يكثر من وقوع الغرور فيه ، ليحذره المريد بعد معرفته فيتقيه فالموفق من العباد من عرف مداخل الآفات والفساد فأخذ منها حذره وبنى على الحزم والبصيرة أمره .
ونحن نشرح أجناس مجاري الغرور ، وأصناف المغترين من القضاة والعلماء والصالحين الذين اغتروا بمبادئ الأمور الجميلة ظواهرها ، القبيحة سرائرها ونشير إلى وجه اغترارهم بها ، وغفلتهم عنها ; فإن ذلك وإن كان أكثر مما يحصى ، ولكن يمكن التنبيه على أمثلة تغني عن الاستقصاء ، ولكن يجمعهم أربعة أصناف : وفرق المغترين كثيرة
الصنف الأول من العلماء .
الصنف الثاني من العباد .
الصنف الثالث من المتصوفة .
الصنف الرابع من أرباب الأموال .
المغتر من كل صنف فرق كثيرة ، وجهات غرورهم مختلفة ; فمنهم من رأى المنكر معروفا ، كالذي يتخذ المسجد ويزخرفها من المال الحرام ، ومنهم من لم يميز بين ما يسعى فيه لنفسه ، وبين ما يسعى فيه لله تعالى ، كالواعظ الذي غرضه القبول والجاه ومنهم من يترك الأهم ويشتغل بغيره ، ومنهم من يترك الفرض ، ويشتغل بالنافلة ، ومنهم من يترك اللباب ويشتغل بالقشر كالذي يكون همه في الصلاة مقصورا على تصحيح مخارج الحروف إلى غير ذلك من مداخل لا تتضح إلا بتفصيل الفرق وضرب الأمثلة .