بيان وجه الأنموذج في . كثرة نعم الله تعالى وتسلسلها وخروجها عن الحصر والإحصاء
اعلم أنا جمعنا النعم في ستة عشر ضربا وجعلنا صحة البدن نعمة من النعم الواقعة في الرتبة المتأخرة فهذه النعمة الواحدة لو أردنا أن نستقصي الأسباب التي بها تمت هذه النعمة : لم نقدر عليها ، ولكن الأكل أحد أسباب الصحة فلنذكر نبذة من جملة الأسباب التي بها تتم فلا يخفى أن الأكل فعل وكل فعل من هذا النوع فهو حركة وكل حركة لا بد لها من جسم متحرك هو : آلتها ولا بد لها : من قدرة على الحركة ولا بد من إرادة للحركة ولا بد ، من علم بالمراد وإدراك له ولا بد للأكل من مأكول ولا بد للمأكول من أصل منه يحصل ولا بد له من صانع يصلحه فلنذكر أسباب الإدراك ثم أسباب الإرادات ثم أسباب القدرة ، ثم أسباب المأكول على سبيل التلويح لا على سبيل الاستقصاء . نعمة الأكل
الطرف الأول في نعم الله تعالى في خلق أسباب الإدراك .
اعلم أن الله تعالى خلق النبات وهو أكمل وجودا من الحجر ، والمدر ، والحديد ، والنحاس ، وسائر الجواهر التي لا تنمى ولا تغذى ، فإن النبات خلق فيه قوة بها يجتذب الغذاء إلى نفسه من جهة أصله وعروقه التي في الأرض ، وهي له آلات فبها يجتذب الغذاء ، وهي العروق الدقيقة التي تراها في كل ورقة ثم تغلظ أصولها ثم تتشعب ، ولا تزال تستدق وتتشعب : إلى عروق شعرية : تنبسط في أجزاء الورقة حتى تغيب عن البصر إلا أن النبات مع هذا الكمال ناقص فإنه إذا أعوزه : غذاء يساق إليه ويماس أصله جف ويبس ولم يمكنه طلب الغذاء من وضع آخر فإن الطلب إنما يكون بمعرفة المطلوب وبالانتقال إليه والنبات عاجز عن ذلك فمن نعمة الله تعالى عليك أن خلق لك آلات الإحساس ، وآلة الحركة في طلب الغذاء ، فانظر إلى ترتيب حكمة الله تعالى في خلق الحواس الخمس التي هي آلة الإدراك .