( إلا ما يتلى عليكم ) هذا استثناء من بهيمة الأنعام ; والمعنى : إلا ما يتلى عليكم تحريمه من نحو قوله : ( حرمت عليكم الميتة ) . وقال القرطبي : ومعنى [ ص: 413 ] يتلى عليكم يقرأ في القرآن والسنة ، ومنه ( ) . وقال كل ذي ناب من السباع حرام أبو عبد الله الرازي : ظاهر هذا الاستثناء مجمل ، واستثناء الكلام المجمل من الكلام المفصل يجعل ما بقي بعد الاستثناء مجملا ، إلا أن المفسرين أجمعوا على أن المراد من هذا الاستثناء هو المذكور بعد هذه الآية وهو قوله : ( حرمت عليكم ) إلى قوله : ( وما ذبح على النصب ) ووجه هذا أن قوله : أحلت لكم بهيمة الأنعام ، يقتضي إحلالها لهم على جميع الوجوه . فبين تعالى أنها إن كانت ميتة أو مذبوحة على غير اسم الله ، أو منخنقة أو موقوذة أو متردية أو نطيحة ، أو افترسها السبع فهي محرمة . انتهى كلامه . وموضع ( ما ) نصب على الاستثناء ، ويجوز الرفع على الصفة لـ ( بهيمة ) . قال ابن عطية : وأجاز بعض الكوفيين أن يكون في موضع رفع على البدل ، وعلى أن تكون " إلا " عاطفة ، وذلك لا يجوز عند البصريين إلا من نكرة أو ما قاربها من أسماء الأجناس نحو قولك : جاء الرجل إلا زيد ، كأنك قلت : غير زيد . انتهى . وهذا الذي حكاه عن بعض الكوفيين من أنه في موضع رفع على البدل لا يصح البتة ، لأن الذي قبله موجب . فكما لا يجوز : قام القوم إلا زيد ، على البدل ، كذلك لا يجوز البدل في : إلا ما يتلى عليكم . وأما كون ( إلا ) عاطفة فهو شيء ذهب إليه بعض الكوفيين كما ذكر ابن عطية . وقوله : وذلك لا يجوز عند البصريين ، ظاهره الإشارة إلى وجهي الرفع ، البدل والعطف . وقوله : إلا من نكرة ، هذا استثناء مبهم لا يدرى من أي شيء هو . وكلا وجهي الرفع لا يصلح أن يكون استثناء منه ، لأن البدل من الموجب لا يجيزه أحد علمناه لا بصري ولا كوفي . وأما العطف فلا يجيزه بصري البتة ، وإنما الذي يجيزه البصريون أن يكون نعتا لما قبله في مثل هذا التركيب . وشرط فيه بعضهم ما ذكر من أنه يكون من المنعوت نكرة ، أو ما قاربها من أسماء الأجناس ، فلعل ابن عطية اختلط عليه البدل والنعت ولم يفرق بينهما في الحكم . ولو فرضنا تبعية ما بعد ( إلا ) لما قبلها في الإعراب على طريقة البدل حتى يسوغ ذلك ، لم يشترط تنكير ما قبل ( إلا ) ولا كونه مقاربا للنكرة من أسماء الأجناس ، لأن البدل والمبدل منه يجوز اختلافهما بالتنكير والتعريف .
( غير محلي الصيد وأنتم حرم ) قرأ الجمهور ( غير ) بالنصب ، واتفق جمهور من وقفنا على كلامه من [ ص: 414 ] المعربين والمفسرين على أنه منصوب على الحال . ونقل بعضهم الإجماع على ذلك ، واختلفوا في صاحب الحال . فقال الأخفش : هو ضمير الفاعل في أوفوا . وقال الجمهور والزمخشري وابن عطية وغيرهما : هو الضمير المجرور في أحل لكم . وقال بعضهم : هو الفاعل المحذوف من أحل القائم مقامه المفعول به ، وهو الله تعالى . وقال بعضهم : هو ضمير المجرور في ( عليكم ) . ونقل القرطبي عن البصريين أن قوله : إلا ما يتلى عليكم ، هو استثناء من بهيمة الأنعام . وأن قوله : غير محلي الصيد ، استثناء آخر منه . فالاستثناءان [ ص: 415 ] معناهما من بهيمة الأنعام ، وفي المستثنى منه ، والتقدير : إلا ما يتلى عليكم إلا الصيد وأنتم محرمون ، بخلاف قوله : ( إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين ) على ما يأتي بيانه وهو قول مستثنى مما يليه من الاستثناء . قال : ولو كان كذلك لوجب إباحة الصيد في الإحرام ، لأنه مستثنى من المحظور إذا كان إلا ما يتلى عليكم مستثنى من الإباحة ، وهذا وجه ساقط ، فإذا معناه : أحلت لكم بهيمة الأنعام غير محلي الصيد وأنتم حرم إلا ما يتلى عليكم سوى الصيد . انتهى . وقال ابن عطية : وقد خلط الناس في هذا الموضع في نصب ( غير ) ، وقدروا [ ص: 416 ] تقديمات وتأخيرات ، وذلك كله غير مرضي ، لأن الكلام على اطراده متمكن ، استثناء بعد استثناء . انتهى كلامه . وهو أيضا ممن خلط على ما سنوضحه .
فأما قول الأخفش : ففيه الفصل بين ذي الحال والحال بجملة اعتراضية ، بل هي منشئة أحكاما ، وذلك لا يجوز . وفيه تقييد الإيفاء بالعقود بانتفاء إحلال الموفين الصيد وهم حرم ، وهم مأمورون بإيفاء العقود بغير قيد ، ويصير التقدير : أوفوا بالعقود في حال انتفاء كونكم محلين الصيد وأنتم حرم ، وهم قد أحلت لهم بهيمة الأنعام أنفسها . وإن أريد به الظباء وبقر الوحش وحمره فيكون المعنى : وأحل لكم هذه في حال انتفاء كونكم محلين الصيد وأنتم حرم ، وهذا تركيب قلق معقد ، ينزه القرآن أن يأتي فيه مثل هذا . ولو أريد بالآية هذا المعنى لجاء على أفصح تركيب وأحسنه . وأما قول من جعله حالا من الفاعل ، وقدره : وأحل الله لكم بهيمة الأنعام غير محل لكم الصيد وأنتم حرم ، قال كما تقول : أحللت لك كذا غير مبيحه لك يوم الجمعة ، فهو فاسد . لأنهم نصوا على أن الفاعل المحذوف في مثل هذا التركيب يصير نسيا منسيا ، ولا يجوز وقوع الحال منه . لو قلت : أنزل المطر للناس مجيبا لدعائهم ، إذ الأصل أنزل الله المطر مجيبا لدعائهم لم يجز ، وخصوصا على مذهب الكوفيين ومن وافقهم من البصريين ، لأن صيغة الفعل المبني للمفعول صيغة وضعت أصلا كما وضعت صيغته مبنيا للفاعل ، وليست مغيرة من صيغة بنيت للفاعل ، ولأنه يتقيد إحلاله تعالى بهيمة الأنعام إذا أريد بها ثمانية الأزواج بحال انتفاء إحلاله الصيد وهم حرم ، وهو تعالى قد أحلها في هذه الحال وفي غيرها .
وأما ما نقله القرطبي عن البصريين ، فإن كان النقل صحيحا فهو يتخرج على ما سنوضحه إن شاء الله تعالى ، فنقول : إنما عرض الإشكال في الآية من جعلهم غير محلي الصيد حالا من المأمورين بإيفاء العقود ، أو من المحلل لهم ، أو من المحلل وهو الله تعالى ، أو من المتلو عليهم . وغرهم في ذلك كونه كتب محلي بالياء ، وقدروه هم أنه اسم فاعل من أحل ، وأنه مضاف إلى الصيد ، إضافة اسم الفاعل المتعدي إلى المفعول ، وأنه جمع حذف منه النون للإضافة . وأصله : غير محلين الصيد وأنتم حرم ، إلا في قول من جعله حالا من الفاعل المحذوف ، فلا يقدر فيه حذف النون ، بل حذف التنوين . وإنما يزول الإشكال ويتضح المعنى بأن يكون قوله : محلي الصيد ، من باب قولهم : حسان النساء ; والمعنى : النساء الحسان ، وكذلك هذا أصله غير الصيد المحل . والمحل صفة للصيد لا للناس ، ولا للفاعل المحذوف . ووصف الصيد بأنه محل على وجهين : أحدهما : أن يكون معناه دخل في الحل ، كما تقول : أحل الرجل ; أي : دخل في الحل ، وأحرم دخل في الحرم . والوجه الثاني : أن يكون معناه صار ذا حل ; أي : حلالا بتحليل الله . وذلك أن الصيد على قسمين : حلال ، وحرام . ولا يختص الصيد في لغة العرب بالحلال . ألا ترى إلى قول بعضهم : إنه ليصيد الأرانب حتى الثعالب [ ص: 417 ] لكنه يختص به شرعا ; وقد تجوزت العرب فأطلقت الصيد على ما لا يوصف بحل ولا حرمة ; نحو قوله :
ليث بعثر يصطاد الرجال إذا ما كذب الليث عن أقرانه صدقا
وقال آخر :
وقد ذهبت سلمى بعقلك كله فهل غير صيد أحرزته حبائله
وقال آخر :
ومي تصيد قلوب الرجال وأفلت منها ابن عمر وحجر
ومجيء أفعل على الوجهين المذكورين كثير في لسان العرب . فمن مجيء أفعل لبلوغ المكان ودخوله قولهم : أحرم الرجل ، وأعرق ، وأشأم ، وأيمن ، وأتهم ، وأنجد إذا بلغ هذه المواضع وحل بها . ومن مجيء أفعل بمعنى صار ذا كذا قولهم : أعشبت الأرض ، وأبقلت ، وأغد البعير ، وألبنت الشاة ، وغيرها ، وأجرت الكلبة ، وأصرم النخل ، وأتلت الناقة ، وأحصد الزرع ، وأجرب الرجل ، وأنجبت المرأة . وإذا تقرر أن الصيد يوصف بكونه محلا باعتبار أحد الوجهين المذكورين من كونه بلغ الحل ، أو صار ذا حل ، اتضح كونه استثناء من استثناء ، إذ لا يمكن ذلك لتناقص الحكم . لأن المستثنى من المحلل محرم ، والمستثنى من المحرم محلل . بل إن كان المعنى بقوله : بهيمة الأنعام ، الأنعام أنفسها ، فيكون استثناء منقطعا . وإن كان المراد الظباء وبقر الوحش وحمره ونحوها ، فيكون استثناء متصلا على أحد تفسيري المحل ، استثنى الصيد الذي بلغ الحل في حل كونهم محرمين ; ( فإن قلت ) : ما فائدة الاستثناء بقيد بلوغ الحل والصيد الذي في الحرم لا يحل أيضا ( قلت ) : الصيد الذي في الحرم لا يحل للمحرم ولا لغير المحرم ، وإنما يحل لغير المحرم الصيد الذي في الحل ، فنبه بأنه إذا كان الصيد الذي في الحل يحرم على المحرم ، وإن كان حلالا لغيره ، فأحرى أن يحرم عليه الصيد الذي هو بالحرم . وعلى هذا التفسير يكون قوله : إلا ما يتلى عليكم ، إن كان المراد به ما جاء بعده من قوله : حرمت عليكم الميتة . . . . . الآية ، استثناء منقطعا ، إذ لا يختص الميتة ، وما ذكر معها بالظباء وحمر الوحش وبقره ونحوها ، فيصير ، لكن ما يتلى عليكم ; أي : تحريمه فهو محرم . وإن كان المراد ببهيمة الأنعام الأنعام والوحوش ، فيكون الاستثناءان راجعين إلى المجموع على التفصيل ، فيرجع إلا ما يتلى عليكم إلى ثمانية الأزواج ، ويرجع غير محلي الصيد إلى الوحوش ، إذ لا يمكن أن يكون الثاني استثناء من الاستثناء الأول . وإذا لم يمكن ذلك ، وأمكن رجوعه إلى الأول بوجه ما جاز . وقد نص النحويون على أنه إذا لم يمكن استثناء بعض المستثنيات من بعض ، كانت كلها مستثنيات من الاسم الأول ، نحو قولك : قام القوم إلا زيدا ، إلا عمرا ، إلا بكرا ; ( فإن قلت ) : ما ذكرته من هذا التخريج الغريب وهو أن يكون المحل من صفة الصيد ، لا من صفة الناس ، ولا من صفة الفاعل المحذوف ، [ ص: 418 ] يعكر عليه كونه كتب في رقم المصحف بالياء ، فدل ذلك على أنه من صفات الناس ، إذ لو كان من صفة الصيد لم يكتب بالياء ، وبكون الفراء وأصحابه وقفوا عليه بالياء يأبى ذلك . ( قلت ) : لا يعكر على هذا التخريج لأنهم كتبوا كثيرا رسم المصحف على ما يخالف النطق ، نحو : بأييد بياءين بعد الألف ، وكتبهم أولئك بواو بعد الألف ، وبنقصهم منه ألفا . وكتابتهم الصلحت ونحوه بإسقاط الألفين ، وهذا كثير في الرسم . وأما وقفهم عليه بالياء فلا يجوز ، لأنه لا يوقف على المضاف دون المضاف إليه ، وإنما قصدوا بذلك الاختبار ، أو ينقطع النفس ، فوقفوا على الرسم كما وقفوا على ( سندع الزبانية ) من غير واو إتباعا للرسم . على أنه يمكن توجيه كتابته بالياء ، والوقف عليه بياء بأنه جاء على لغة الأزد ، إذ يقفون على بزيد بزيدي بإبدال التنوين ياء ، فكتب محلي بالياء على الوقف على هذه اللغة ، وهذا توجيه شذوذ رسمي ، ورسم المصحف مما لا يقاس عليه .
وقرأ : ( غير ) بالرفع ، وأحسن ما يخرج عليه أن يكون صفة لقوله : ابن أبي عبلة بهيمة الأنعام ، ولا يلزم من الوصف بـ ( غير ) أن يكون ما بعدها مماثلا للموصوف في الجنسية ، ولا يضر الفصل بين النعت والمنعوت بالاستثناء ، وخرج أيضا على الصفة للضمير في يتلى . قال ابن عطية : لأن غير محلي الصيد هو في المعنى بمنزلة : غير مستحل إذا كان صيدا . انتهى . ولا يحتاج إلى هذا التكلف على تخريجنا محلي الصيد وأنتم حرم جملة حالية . وحرم جمع حرام . ويقال : أحرم الرجل إذا دخل في الإحرام بحج أو بعمرة ، أو بهما ، فهو محرم وحرام ، وأحرم الرجل : دخل في الحرم . وقال الشاعر :
فقلت لها فيئي إليك فإنني حرام وإني بعد ذاك لبيب
أي : ملب . ويحتمل الوجهين قوله : وأنتم حرم ، إذ ، وعلى من كان أحرم بالحج والعمرة ، وهو قول الفقهاء . وقال الصيد يحرم على من كان في الحرم : وأنتم حرم ، حال عن محل الصيد كأنه قيل : أحللنا لكم بعض الأنعام في حال امتناعكم من الصيد وأنتم محرمون ؛ لئلا يتحرج عليكم . انتهى . وقد بينا فساد هذا القول ، بأن الأنعام مباحة مطلقا لا بالتقييد بهذه الحال . الزمخشري
( إن الله يحكم ما يريد ) قال : يحل ويحرم . وقيل : يحكم فيما خلق بما يريد على الإطلاق ، وهذه الجملة جاءت مقوية لهذه الأحكام الشرعية المخالفة لمعهود أحكام العرب من الأمر بإيفاء العقود وتحليل بهيمة الأنعام ، والاستثناء منها ما يتلى تحريمه مطلقا في الحل والحرم إلا في اضطرار ، واستثناء الصيد في حالة الإحرام ، وتضمن ذلك حله لغير المحرم ، فهذه خمسة أحكام ختمها بقوله : ابن عباس إن الله يحكم ما يريد . فموجب الحكم والتكليف هو إرادته لا اعتراض عليه ، ولا معقب لحكمه ، لا ما يقوله المعتزلة من مراعاة المصالح . ولذلك قال : إن الله يحكم ما يريد من الأحكام ، ويعلم أنه حكمة ومصلحة . وقال الزمخشري ابن عطية : وقد نبه على ما تضمنته هذه الآية من الأحكام ما نصه : هذه الآية مما يلوح فصاحتها وكثرة معانيها على قلة ألفاظها لكل ذي بصر بالكلام ، ولمن عنده أدنى بصيرة . ثم ذكر ابن عطية الحكاية التي قدمناها [ ص: 419 ] عن الكندي وأصحابه ، وفي مثل هذا أقول من قصيدة مدحت بها رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، معارضا لقصيدة كعب منه في وصف كتاب الله تعالى :
جار على منهج الأعراب أعجزهم باق مدى الدهر لا يأتيه تبديل
بلاغة عندها كع البليغ فلم ينبس وفي هديه طاحت أضاليل
( ياأيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ) خرج سريح أحد بني ضبيعة إلى مكة حاجا وساق الهدي . وفي رواية ومعه تجارة ، وكان قبل قد قدم المدينة وتكلم مع الرسول ، صلى الله عليه وسلم ، وتروى في إسلامه ، وقال الرسول ، عليه السلام ، : " لقد دخل بوجه كافر وخرج بعقبي غادر " فمر بسرح بالمدينة فاستاقه ، فلما قدم مكة عام الحديبية أراد أهل السرح أن يغيروا عليه ، واستأذنوا الرسول ، فنزلت . وقال : اسمه السدي الحطيم بن هند البلدي أحد بني ضبيعة ، وأراد الرسول أن يبعث إليه ناسا من أصحابه فنزلت . وقال ابن زيد : نزلت بمكة عام الفتح وحج المشركون واعتمروا فقال المسلمون : يا رسول الله إن هؤلاء مشركون فلن ندعهم إلا أن نغير عليهم ، فنزل القرآن . ( ولا آمين البيت الحرام ) .
والشعائر جمع شعيرة أو شعارة ; أي : قد أشعر الله أنها حده وطاعته ، فهي بمعنى معالم الله ، وتقدم تفسيرها في ( إن الصفا والمروة من شعائر الله ) . قال الحسن : دين الله كله ، يعني شرائعه التي حدها لعباده ، فهو عام في جميع تكاليفه تعالى . وقال : ما حرم عليكم في حال الإحرام . وقال أيضا هو ابن عباس ومجاهد : مناسك الحج . وقال : شعائر الحج ، وهي ست : زيد بن أسلم الصفا والمروة ، والبدن ، والجمار ، والمشعر الحرام ، وعرفة ، والركن . وقال أيضا : المحرمات خمس : الكعبة الحرام ، والبلد الحرام ، والشهر الحرام ، والمسجد الحرام ، حتى يحل . وقال : كان عامة العرب لا يعدون ابن الكلبي الصفا والمروة من الشعائر ، وكانت قريش لا تقف بعرفات ، فنهوا عن ذلك . وقيل : الأعلام المنصوبة المتفرقة بين الحل والحرم نهوا أن يتجاوزوها إلى مكة بغير إحرام . وقال أبو عبيدة : هي الهدايا تطعن في سنامها وتقلد . قال : ويدل عليه ( والبدن جعلناها لكم من شعائر الله ) وضعف قوله بأنه قد عطف عليه والهدي والقلائد . وقيل : هي ما حرم الله مطلقا ، سواء كان في الإحرام أو غيره . وقال : هي ما أشعر ; أي : جعل إشعارا وعلما للنسك من مواقف الحج ومرامي الجمار والطواف والأفعال التي هي علامات الحاج ، يعرف بها من الإحرام والطواف والسعي والحلق والنحر . انتهى . الزمخشري
( ولا الشهر الحرام ) الظاهر أنه مفرد معهود . فقال : هو شهر الحج . وقال الزمخشري عكرمة وقتادة : هو ذو القعدة من حيث كان أول الأشهر الحرم . وقال وغيره : رجب ويضاف إلى مضر لأنها كانت تحرم فيه القتال وتعظمه ، وتزيل فيه السلاح والأسنة من الرماح . وكانت العرب مجمعة على تعظيم ذي القعدة وذي الحجة ، ومختلفة في رجب ، فشدد تعالى أمره . فهذا وجه التخصيص بذكره . وقيل : الشهر مفرد محلى بأل الجنسية ، فالمراد به عموم الطبري وهي : ذو القعدة ، وذو الحجة ، والمحرم ، ورجب ; والمعنى : لا تحلوا بقتال ولا غارة ولا نهب . قال الأشهر الحرم مقاتل وكان جنادة بن عوف يقوم في سوق عكاظ كل يوم فيقول : ألا إني قد حللت كذا وحرمت كذا .
( ولا الهدي ) قال ابن عطية : لا خلاف أن ما هدي من النعم إلى بيت الله ، وقصد به القربة ، فأمر تعالى أن لا يستحل ، ولا يغار عليه . انتهى . والخلاف عن المفسرين فيه موجود . قيل : هو اسم لما يهدى إلى بيت الله من ناقة أو بقرة أو شاة أو صدقة ، وغيرها من الذبائح والصدقات . وقيل : هو ما قصد به وجه الله ، ومنه في الحديث : " ثم كالمهدي دجاجة ، ثم كالمهدي بيضة " فسمى هذه هديا . وقيل : الشعائر البدن من الأنعام ، والهدي البقر والغنم والثياب وكل ما أهدي ; [ ص: 420 ] وقيل : الشعائر ما كان مشعرا بإسالة الدم من سنامه أو بغيره من العلائم ، والهدي ما لم يشعر اكتفي فيه بالتقليد . وقال من فسر الشعائر بالمناسك : ذكر الهدي تنبيها على تفصيلها . الهدي