الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1334 - وعن حارثة بن وهب الخزاعي رضي الله عنه قال : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن أكثر ما كنا قط وآمنه بمنا ، ركعتين . متفق عليه .

التالي السابق


1334 - ( وعن حارثة بن وهب الخزاعي ، قال : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن أكثر ما كنا ) : بالرفع ، وقيل : بالنصب ، فالرفع على أنه خبر نحن ، وما مصدرية ، ومعناه الجمع ; لأن ما أضيف إليه أفعل التفضيل يكون جمعا . ( قط ) : ظرف بمعنى الدهر ، والزمان متعلق بكنا .

قال الأشرف : قط مختص بالماضي المنفي ، ولا منفي هنا ، فتقديره ما كنا أكثر من ذلك ولا آمنه قط . ( وآمنه ) : عطف على ( أكثر ) وقط مقدر هاهنا ، والضمير فيه راجع إلى ما كنا ، والواو في " ونحن " للحال المعترضة بين صلى ومعموله ، وهو ( بمنا ) : بالانصراف ، وفي نسخة " بمنى " غير منصرف ، قال الطيبي : إن قصد إلى البقعة لا ينصرف ، ويكتب بالياء وإن قصد بالموضع ينصرف ويكتب بالألف والأغلب تذكيره ، وسمي بذلك لكثرة ما يمنى فيه من الدماء ، أي : يراق ، وقيل : لأنه تعالى يمن فيها على عباده بالمغفرة كذا ذكره ابن حجر في المنح ، والقيل لا يلائم مادة الاشتقاق ، وقيل : لأن جبريل لما أراد مفارقة آدم قال له : تمن قال : أتمنى الجنة ، أو لتقدير الله فيه الشعائر من منى ، أي : قدر ، والمعنى صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك الوقت والحال أنا بمنا . ( ركعتين ) ، أي في حجة الوداع ، والحال أنه في ذلك الوقت أكثر أكواننا في سائر الأوقات عددا ، وأكثر أكواننا في سائر الأوقات أمنا ، وإسناد الأمن إلى الأوقات مجاز كذا ، قاله الطيبي ، وقال شارح : ضمير آمنه عائد إلى " ما " إن كانت موصوفة تقديره : ونحن حينئذ أكثر عدد كنا قبل إياه ، وآمن عدد كنا قبل إياه ، وإلى المصدر المقدر إن كان " ما " مصدرية ، أي : ونحن أكثر كون ، أي وجود ، وآمن كون ما كنا قبل ، وجيء ب ( قط ) لاشتماله على النفي ، أي : ما كنا قبل ذلك الزمان مثل ذلك العدد ومثل ذلك الأمن قط ، وفي المفاتيح : وروي : أمنة جمع آمن كطلبة وطالب ، فعلى هذا يجوز أن يكون أكثر بمعنى كثير ، " وما " نافية ، وخبر كنا محذوف ، أي : ونحن كثيرون ما كنا مثل ذلك قط ونحن أمنة .

وقال الأبهري : يجوز أن تكون " ما " نافية خبر المبتدأ ، أو أكثر منصوبا على أنه خبر كان ، ويجوز إعمال ما فيما قبلها إذا كانت بمعنى ليس ، والتقدير : ونحن ما كنا قط في وقت أكثر منا في ذلك الزمان ، ولا آمن منا فيه من الأمان ، قيل : ويجوز أن يكون آمنه فعلا ماضيا ، وضمير الفاعل مضافا إلى الله تعالى ، وضمير المفعول إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، أي : آمن الله نبيه حينئذ .

قال الطيبي : أقول هذا على أن يكون ( أكثر ) خبر كان ; إذ لا يستقيم أن يعطف وآمنه على أكثر وهو تعسف جدا ، والوجه هو الأول . أعلم أن العلماء اتفقوا على جواز القصر في السفر ، واختلفوا هل هو رخصة أو عزيمة ؟ فأبو حنيفة على الثاني ، وغيره على الأول ، وحكي عن داود : أنه لا يجوز إلا في سفر واجب ، وعنه أيضا أنه يختص بالخوف ، ولا تجوز الرخص في سفر المعصية عند الثلاثة .

قال ابن حجر : ولا يعارضه تقييد القصر في الآية بالكفار ; لأنه خرج مخرج الغالب من أحوال المسافرين حال نزولها في الخوف من الكفار ، فلا مفهوم له ، وفي هذا غاية الفخامة له صلى الله عليه وسلم ; حيث بين أن ما وقع في الآية ليس قيد توسعة على الأمة وإعلاما بأن فعله منسوب إلى ربه ; لأنه خبره في خلقه ، وقال أبو حنيفة : سفر الطاعة والمعصية سواء في الرخص . ( متفق عليه ) : ورواه الأربعة ، قاله ميرك .

[ ص: 1000 ]



الخدمات العلمية