أحدهما: أن تكون شرطية في محل رفع بالابتداء، و"آمن" مجزوم بها تقديرا وهو الخبر على الصحيح حسبما تقدم الخلاف فيه، وقوله: "فلهم" جواب الشرط، وهذه الجملة الشرطية في محل رفع خبرا لـ"إن" في قوله: إن الذين آمنوا والعائد محذوف تقديره: من آمن منهم، كما صرح به في موضع آخر.
والثاني: أن تكون موصولة بمعنى الذي ومحلها حينئذ النصب على البدل من اسم "إن" وهو "الذين" بدل بعض من كل، والعائد - أيضا - محذوف كما تقدم، و"آمن" صلتها، فلا محل له حينئذ.
وقوله: فلهم أجرهم خبر "إن الذين"، ودخلت الفاء لأن الموصول يشبه الشرط، وهذا عند غير وأما الأخفش، فنقل عنه أنه إذا نسخ المبتدأ بـ"إن" يمتنع ذلك فيه، فمحل قوله الأخفش فلهم أجرهم رفع على هذا [ ص: 405 ] القول، وجزم على القول الأول، و"لهم" خبر مقدم متعلق بمحذوف، و"أجرهم" مبتدأ، ويجوز عند أن يكون فاعلا بالجار قبله وإن لم يعتمد، وقد تقدم ذكر الخلاف في ذلك. الأخفش
قوله: عند ربهم "عند" ظرف مكان لازم الإضافة لفظا ومعنى، والعامل فيه الاستقرار الذي تضمنه "لهم"، ويجوز أن يكون في محل نصب على الحال من "أجرهم" فيتعلق بمحذوف تقديره: فلهم أجرهم ثابتا عند ربهم.
والعندية مجاز لتعاليه عن الجهة، وقد تخرج إلى ظرف الزمان إذا كان مظروفها معنى، ومنه قوله عليه السلام: والمشهور كسر عينها، وقد تفتح وقد تضم. "إنما الصبر عند الصدمة الأولى"
والذين هادوا هم اليهود، وهادوا في ألفه قولان: أحدهما أنه من واو، والأصل: هاد يهود أي تاب، قال الشاعر:
512 - إني امرؤ من حبه هائد ... ... ... ...
أي: تائب، ومنه سمي اليهود لأنهم تابوا عن عبادة العجل، وقال تعالى: إنا هدنا إليك أي تبنا، وقيل: هو من التهويد وهو النطق في سكون ووقار، وأنشدوا:
513 - وخود من اللائي تسمعن بالضحى قريض الردافى بالغناء المهود
وقيل: هو من الهوادة وهي الخضوع.
الثاني: إنها من ياء، والأصل: هاد [ ص: 406 ] يهيد، أي: تحرك ومنه سمي اليهود لتحركهم في دراستهم.
وقيل: سموا يهود نسبة ليهوذا بالذال المعجمة وهو ابن يعقوب عليه السلام، فغيرته العرب من الذال المعجمة إلى المهملة جريا على عادتها في التلاعب بالأسماء الأعجمية.
والنصارى جمع، واحده نصران ونصرانة كندمان وندمانة وندامى، قاله وأنشد: سيبويه
514 - فكلتاهما خرت وأسجد رأسها كما أسجدت نصرانة لم تحنف
وأنشد على نصران قوله: الطبري
515 - يظل إذا دار العشا متحنفا ويضحي لديه وهو نصران شامس
قال : إلا أنه لم يستعمل في الكلام إلا بياء النسب. سيبويه
وقال واحد النصارى نصري كمهري ومهارى. الخليل:
وقال الياء في نصراني للمبالغة كالتي في أحمري. الزمخشري:
ونصارى نكرة، ولذلك دخلت عليه أل ووصف بالنكرة في قول الشاعر:
516 - صدت كما صد عما لا يحل له ساقي نصارى قبيل الفصح صوام
[ ص: 407 ] وسموا بذلك نسبة إلى قرية يقال لها ناصرة، كان ينزلها عيسى عليه السلام، أو لأنهم كانوا يتناصرون، قال الشاعر:
517 - لما رأيت نبطا أنصارا شمرت عن ركبتي الإزارا
كنت لهم من النصارى جارا
والصابئون: قوم عبدوا الملائكة، وقيل: الكواكب.
والجمهور على همزه، وقرأه غير مهموز. نافع
فمن همزه جعله من صبأ ناب البعير أي: خرج، وصبأت النجوم: طلعت.
وقال صبأت على القوم إذا طرأت عليهم، فالصابئ: التارك لدينه كالصابئ الطارئ على القوم فإنه تارك لأرضه ومنتقل عنها . أبو علي:
ومن لم يهمز فإنه يحتمل وجهين:
أحدهما: أن يكون مأخوذا من المهموز فأبدل من الهمزة حرف علة إما ياء أو واوا، فصار من باب المنقوص، مثل قاض أو غاز، والأصل: صاب، ثم جمع كما يجمع القاضي أو الغازي، إلا أن لا يرى قلب هذه الهمزة إلا في الشعر، والأخفش وأبو زيد يريان ذلك مطلقا. سيبويه
الثاني: أنه من صبا يصبو إذا مال، فالصابي كالغازي، أصله صابو فأعل كإعلال غاز.
وأسند إلى أبو عبيد "ما الصابون إنما هي الصابئون، ما الخاطون إنما هي الخاطئون". ابن عباس:
فقد اجتمع في قراءة همز النبيين وترك همز الصابئين، وقد عرفت أن العكس فيهما أفصح، وقد حمل الضمير في قوله " من آمن وعمل " على لفظ "من" فأفرد، وعلى المعنى في قوله: نافع فلهم أجرهم عند ربهم على المعنى فجمع، كقوله:
[ ص: 408 ]
518 - ألما بسلمى عنكما إن عرضتما وقولا لها عوجي على من تخلفوا
فراعى المعنى، وقد تقدم تحقيق ذلك عند قوله: ومن الناس من يقول آمنا .
والأجر في الأصل مصدر يقال: أجره الله يأجره أجرا، وقد يعبر به عن نفس الشيء المجازى به، والآية الكريمة تحتمل المعنيين.
وقرأ أبو السمال: (والذين هادوا) بفتح الدال كأنها عنده من المفاعلة، والأصل: "هاديوا" فأعل كنظائره.