الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أختي الصغيرة سيئة الخلق والتصرف، فكيف يمكن استقامة حالها؟

السؤال

السلام عليكم

أختي الصغرى ذات العشر سنوات فيها من الطباع السيئة ما جعلها ثقيلة على غيرها، مكروهة بسبب أفعالها، فكثير ممن حولها بات يكره ما تفعل وينتقدها وينعتها بالسوء، وهذا لا يرضيني إذ هي أختي، وإذ أنها صغيرة لينة العود يمكن تغييرها وتهذيبها، ومن حقها أن نعطيها فرصة أخرى، فلا أريد أن نقتل روح الخير فيها.

يحترق قلبي إذا رأيت ابنتي خالتي تقول إحداهما للأخرى -والتي هي خطيبة أخي- تقول لها: أعانك الله عليها، والأخرى تقول: لا أعلم كيف سأتحملها، أختها الأخرى أفضل، أيقال هكذا بدل أن يحاولن إبراز الخير فيها ومساعدتها على التأدب؟ فضلا عن هذا فكثرة المقارنة بينها وبين أختي ستجعل منها سيئة، ومن أختي الثانية أسوأ إذ أن كثرة المدح قد يهدمها كما حل بابنة خالتي الصغرى.

أختي فيها من الخير الكثير، هي طيبة لا تحقد، حيوية ومرحة وكل من يراها لأول وهلة يحبها جداً، فهي بشوشة تحب الناس كثيراً، فهي من صغرها ودائما تقبل أمنا بكثرة وتقبلني أيضا بكثرة وتضمني -دلالة المحبة-، وتفعل ذلك بمن تحبهم لا تقاومهم لا بد أن تقبلهم لشدة شعورها بالمحبة لهم.

لكنها عنيدة بطبعها سيئة الخلق -للأسف-، وقحة أنانية ذات لسان طويل وجارح، تتعمد التجريح والإحراج، لا تحترم من هو أكبر منها، عزيزة نفس لا ترضى بأن يساء إليها، وبالمقابل تقبل الإساءة لغيرها وهذا ما يجعل من حولنا لا يستطيعون احتمالها.

وبسبب كثرة الانتقاد لها فهي تظن نفسها سيئة وتعمل على هذا الأساس، وكرهت نفسها، ووصل الأمر بها لأن تفتح جهازها (الآيبود) وتبحث في الإنترنت عن كيفية الانتحار، شيء سيء جدا أن تفكر طفلة بهذا الشيء، فقد عرفت أي شريان تقطع لتنتحر.

الآن وقد آذت ابنة خالتي التي في عمري تقريباً، فإني أريد الحل لها، فلا أمي تفكر في حل لها ولا هي تحاول تهذيبها، فقط تبدي انزعاجها وأحيانا تغضب منها وتصرخ عليها، لكنها لا تحاول معها كثيراً، تقول: سوف تتغير إذا كبرت، لكن هذا أراه لا يجدي نفعاً، فهي تتأسس بأخلاقها وسوف تتسبب بالمشاكل لأسرتنا إذا كبرت ولم نهذبها.

أما أبي فغضوب يستشيط غضباً غالباً، فأخاف أن نطرح عليه هذه المشكلة، ويقوم بظلم أختي، فأنا لا أقبل ظلم الأطفال، لأنه للأسف يصنع من المواضيع الصغيرة والتافهة جبالاً من الغضب، فكيف بسوء خلق أختي.

أما إخوتي فإنني أرى أنهم قد تسببوا ببعض من سوء خلقها، هما يكبرانها ببضع سنين فقط، أي في عمر المراهقة، وما أكثر ما قالوه وبسببه أفسدوها، أحدهم منذ صغره يضربها هي وأختي التي تكبرها بسنتين، دائما يضربها ويكرهها هي بالذات إما لشكلها -خلق الله لها شفتين بارزتين بشكل ملحوظ ومنذ صغرها تعاب من قبل الناس بهذا-، أو بسبب نفسه السيئة حتى معنا -نفسه كما يقولون في خشمه-، وهو وأخي الآخر كانا يقولان لها كلاماً لا ينبغي قوله للأطفال، فأذهبا منها البراءة.

هذا غير المدرسة التي انتقلت إليها عند انتقالنا من المدينة السابقة، فمنذ الانتقال وأصبحت تتشاجر هي وأختي الأخرى بالأيادي، تعلمتا من المدرسة أشياء سيئة من الغرور والإيذاء والاحتراب والنفس السيئة، لا أعرف ماذا يجب علي فعله إذا ساء خلقها؟ فإنني أحس أن هذه مسؤوليتي، أريد تقويمها قبل أن يشتد عودها على السوء.

نصحتها ذات مرة هي وأختي وضربت لهما مثالاً لشخصية إسلامية وشخصية مشركة منافقة وبالطبع اختارتا الشخصية الإسلامية، وأن تكونا معها، لكن وبعد الإصلاح الصغير، وبعد النصح الذي أديته في خلوتي معهما، ومع فهمهما ومحاولتهما إلا أن أختي ما أن نخرج من بيتنا لبيت آخر حتى تتغير أحيانا علي، وذلك بسبب ابنة خالتي التي كانت طيبة، وانقلبت سيئة، فهذه بنت الخالة الصغيرة تكره أختها التي في عمري، ولذلك فهي تسبب الفتن بين أختها وأخواتي، تذكر مساوئها، وتقول عنها أشياء كذباً وبهتاناً، وتنسب ما تفعله من سوء لأختها، ونتيجة لذلك فإن أختي تكره ابنة خالتي وتكرهني لأنني أجلس مع ابنة خالتي التي تكبرني.

وأحيانا لوحدها تتغير، لا تتحمل وترد على الجميع، حتى جدتي المريضة بالقلب منزعجة منها، جدتي لا تتحمل إزعاج الأطفال، وأختي طبيعتها حركية لا تتحمل السكون والهدوء، تحب الحركة والنشاط فتنزعج جدتي منها، ولأن جدتي لا تسمح لهم باللعب في الخارج لسبب ما، ولا تسمح لهم باللعب في الداخل، فقط تريد منهم الجلوس بلا إزعاج، شيء لا يستطيعه الأطفال، ولذلك فجدتي كثيراً ما تصرخ على أختي وعلى من يحدث الفوضى عموماً، وبالنتيجة فأختي تكرهها ولا ترد عليها اذا وبختها، وأحيانا تسخر منها بطريقة غير مباشرة، وبيتها صغير لا مجال للابتعاد عنها، وما إن تقوم أختي أو أي أحد إلا وقالت جدتي إلى أين؟ باختصار جدتي تقيدنا بشكل كبير.

هذه البيئة والأسباب تسببت بسوء خلقها، هذا غير طبع أبي الذي تطبعت به هي، فما الحل؟

أرجوكم أفيدوني بحل، أريد أن تغير ما بنفسها ليغيرها الله، أريد أن تكون معي في الجنة، أريد أن تحسن خلقها وتغير نظرة الناس السوداوية لها، أريد أن يعم الجو الحنان والهدوء وليس الشحناء والبغضاء، وأنا مستعدة لتحمل تربيتها، جزاكم الله خير الجزاء.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أمة الله حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

شكرا لك على الكتابة إلينا بكل هذا، وجزاك الله خيرا على اهتمامك بأختك الصغيرة.

لا يولد طفل وهو "سيء" أو "صعب" من نفسه، وإنما هو انعكاس التربية والبيئة ومعاملة الكبار له من حوله، ومعك كل الحق في أن تري جوانب طيبة كثيرة موجودة عند هذه الطفلة، بالرغم من كل الصعوبات والمشكلات السلوكية.

ودعيني أقول لك: أن مما قرأت في رسالتك، فإن هذه الطفلة ليس لها أن تكون إلا بالشكل الذي ذكرت، إذا أخذنا بعين الاعتبار الأشخاص الكثر من حولها وطريقة تعاملهم معها، من ضرب أو سوء معاملة بشكل أو آخر، ولكن وفي نفس الوقت، هناك فرصة كبيرة لتعديل سلوكها وتغييره، ولكن لا بد أولا من الحديث الصريح مع بقية أفراد الأسرة، وبحيث كل له دوره في هذا التغيير، وإلا فليس معقولاً أن يصلح واحد ويخرّب آخرون، وتغيير سلوك الطفلة وتعديله للأحسن يتوقف على فهم كيفية تكوّن السلوك السلبي، وطريقة تغييره.

إن من أكثر أسباب السلوك المتعب عند الأطفال، وربما كثير مما ذكرته في سؤالك عن سلوك هذه الطفلة ينطبق عليها هذا، هو الرغبة في جذب الانتباه لنفسها، ومن المعروف أن الطفل يحتاج لانتباه من حوله كما يحتاج للهواء والطعام والماء، وإذا لم يحصل الطفل على هذا الانتباه من خلال سلوكه الحسن، فإنه سيخترع طرقا سلوكية كثيرة لجذب هذا الانتباه، والغالب أن يكون عن طريق السلوكيات السلبية والتي وصفت بعضها في سؤالك.

ولماذا يلجأ الطفل للسلوكيات السلبية؟ ببساطة لأننا، نحن الآباء والأمهات، لا ننتبه للسلوك الإيجابي، وكما قال أحدهم "عندما أحسن العمل، لا أحد ينتبه، وعندما أسيء العمل، لا أحد ينسى"!

وما يمكن أن تفعلوه مع هذه الطفلة، عدة أمور منها:

1- أن تلاحظوا أي سلوك إيجابي تقوم به، وأن تـُشعروها بأنكم قد لاحظتم هذا السلوك الإيجابي، ومن ثم تشكروها عليه.
2- أن تحاولوا تجاهل بعض السلوك السلبي الذي يمكن أن تقوم به، إلا السلوك الذي يعرضها أو يعرض غيرها للخطر، فعندها من الواجب عدم تجاهل الأمر، وإنما العمل على تحقيق سلامة الطفلة والآخرين مباشرة.

وأما بالنسبة لعناد هذه الطفلة، فربما كثير من هذا أيضا هو سلوك لجذب انتباهكم وانتباه من حولها، فحاولوا التعامل مع هذا السلوك كمجرد سلوك لجذب الانتباه، ويمكنكم توجيه انتباهكم إليها عندما تتجاوب معكم ومن دون عناد، وحاولوا صرف انتباهكم عنها عندما يصل عنادها لحدّ لا ترتاحون له.

وعلى فكرة فالصفة التي تتعبنا في الطفلة وهي صغيرة قد تكون هي نفسها الصفة التي ستكون وراء نجاحها وتفوقها في قابلات الأيام، فنحن لا نهدف إلى تحطيم هذه الصفة وإنما تطويعها لمصلحة الطفلة ومصلحة من حولها.

وأنصحك بدراسة كتاب في تربية الأطفال، ومنها كتابي "أولادنا من الطفولة إلى الشباب" وسيعينك على تعديل سلوك أختك، وربما أطفالك في المستقبل، ويمكنك الحصول على الكتاب من مكتبة جرير أو من موقع نيل وفرات دوت كوم.

مع تمنياتي لك بالتوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً