الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

نوبات الهلع وآثارها

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بداية: لكم جزيل الشكر لتعاونكم وتعاطفكم مع هموم البشر وأمراضهم وأحزانهم.

صراحة مللت من وضعي هذا، فأردت توجيه أسئلتي لهذا القسم بهدف توجيهي إلى الطريق الصحيح أو إلى العلاج الصحيح.

أنا شاب في الحادي والعشرين من عمري، الطول: 167 - الوزن: 58 - زمرة الدم: O+ أعاني من أعراض عديدة، توجهت لكم لتشخيص حالتي، قبل أربع سنوات كنت أجلس بإحدى قاعات الدروس الخاصة، فشعرت بشكل مفاجئ بجفاف الفم، وصعوبة البلع، وضيق بالتنفس نوعًا ما مع دوار يعيق القيام بوظائفي اليومية.

ذهبت إلى البيت مسرعًا لشرب كميات من الماء مع استمرار جفاف الفم، وألم أو إحساس بضيق أو ضغط في منطقة الحلق، واستمرت الحالة قرابة ثلاثة أشهر ولم أخرج من المنزل باستمرار، خوفاً من الشعور بالدوار مرة أخرى.

ذهبت لطبيب مختص بالأمراض الداخلية والقلبية فقام بعمل فحوصاته الطبية اللازمة، وقال لي: لديك بعض الالتهابات في الشعب الهوائية، وقلق شديد، ووصف لي مقشعاً ومضادًا للقلق، لكني لم أستخدم الدواء؛ خوفًا من أن يكون التشخيص خاطئاً دون فحص أو أي تصوير للتأكد من وجود سرطانات أو التهابات غيرها.

مضت الأيام مع استمرار الدوار ولكن بشكل أخف، وأصبحت أخرج من المنزل -والحمد لله- ولكن مع خوف مستمر من تكرار تلك الحالة السابقة، وبعد مرور فترة عادت لي أعراض الشعور بضيق التنفس والضغط بمنطقة الحنجرة والأذن؛ فذهبت لأخصائي أذن وأنف وحنجرة، وبعد المعاينة قال لي: تعاني من التحسس، ووصف لي مضاد هيستامين وفيتامينات، وقال لي: مارس الرياضة، علماً أني أمارس رياضة الكاراتيه، وهي لعبة قاسية، لكني اعتزلتها نتيجة لما ذكرته سابقًا.

مضت السنين وأنا أعاني من الأعراض بشكل دائم لكن أخف من الماضي، وأحيانًا يرافقها تشنج المعدة والرجفة بالأطراف، وبعد مرور أربع سنوات ونصف السنة، أي في هذه الأيام عادت الأعراض، علمًا أني مقيم الآن في تركيا، أي تم تغيير مكان إقامتي لدولة أخرى قبل عام كامل، وقبل ثلاثة أشهر توفي أخي في شهر رمضان.

عادت الأعراض الآن: انسداد دائم بالأنف، وآلام تشبه ألم الجيوب الأنفية، وضغط في الحلق، وانسداد الأذن أثناء التنفس، وفي حالة الشهيق تحديدًا.

ذهبت لطبيب مختص، ووصف لي فلوتيكازون رذاذ بالأنف، وقال لي: يوجد لديك تحسس.

وذهبت لطبيب آخر، وازدادت نبضات قلبي عند دخولي؛ فتفاجأ الطبيب بسرعتها فأجرى فحصاً سريريًا وقال لي: تعاني من توتر وقلق متجاهلاً أعراض ضيق التنفس، وآلام الجيوب الأنفية، ووصف لي tranko kasbus مهدئاً مركباً من ميدازيبام و بوتيل بروميد، ونوعاً آخر من الأدوية لخفقان القلب أيضاً ولم أستخدم الوصفة.

صباح الأمس وعند الوقوف من النوم شعرت بدوار قوي فظننت أن رأسي متشنج من الداخل، وشلل بالأطراف، هذا ما شعرت به لمدة 15 ثانية، ولا أعلم إن كانت من أعراض مرضٍ ما في الدماغ نظرًا لحدوثها أغلب الأحيان!

وفي أغلب الأحيان أشعر بارتجاع الطعام من المعدة إلى البلعوم طوال الليل، وآلام أحيانًا بالكتف الأيسر بعد الطعام، وآلام في المعدة، ولا يرتبط ذلك دائمًا بوجود حرقة، هل يمكن أن تكون أعراض سرطان مريء أو معدة أو غيرها؟

أعتذر على الإطالة لكن لا توجد طريقة أخرى لشرح كل الأعراض.

أود معرفة ما إن كنت أعاني من مرض قلق نفسي أو عضوي أو كلاهما، وتوجيهي للقسم المختص لعلاج الأمر؛ لأني مللت من هذه الحالة على مر أربع سنوات.

وأظن لو كان هناك أمراض في القلب أو الرأس كانت فترة السنوات الأربع كافية لظهور المرض -إن وجد- مع استمرار الأعراض، لأني دائماً أفكر بأمراض في الدماغ أو القلب بسبب الدوار المستمر وعدم التركيز وضيق التنفس، والله أعلم.

علمًا أني ملتزم بالفرائض والصيام والحمد لله، ولكني لا أشعر بتركيز أبدًا حتى أثناء الصلوات لا أستطيع التركيز، ودائماً أنسى عدد الركعات، أو هل قرأت تلك السورة أو لا؟ وعندما يتحدث معي أحدهم لا أستطيع التركيز أبدًا حتى إني أحرج عندما أعود للحديث، ولست أفهم أي شيء، وحتى في النظر أشعر بعدم وضوح دائماً.

وتعرق كف اليدين بشكل دائم، وتنميل الرأس أو الأطراف أحياناً، وهناك إشارة إلى برودة الأطراف والأظافر، يميل لونها للأزرق؛ لأني علمت أن الأظافر الزرقاء قد تدل على نقص أكسجين.

والشعور بالخمول دائمًا، وقلة الحركة، وضعف عام في الجسم، وآلام المفاصل، حتى أشعر أن عضلاتي وأعصابي ليست على ما يرام بسبب الشعور الدائم بالرجفة داخل الجسم، وصعوبة النطق والسرعة بالكلام.

لا أعلم إن كان القلق قد يجمع كل الأعراض الواردة، أو أنه يسبب بعضها، وبعضها الآخر يعود لمرض عضوي حقيقي.

أراسلكم؛ لتوجيهي هل هذه الأعراض دليل لمرضٍ ما كي يتم كشفه مبكرًا، أو أعراض لعوامل أخرى؟

وللعلم كنت مدمنًا للعادة السرية سابقًا بشكل كثيف، لكن ابتعدت عنها، والحمدلله.

ما هي التدابير التي تنصحوني بها؟ سواء كانت ذهابًا للطبيب، أو إجراء تحاليل، أو أي صور قد تلزم للتشخيص. وهل توجد أمراض قد تحتاج لأكثر من تلك الفترة للظهور؟

أعتذر مرة أخرى، وأشكركم سلفاً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ kadir حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

النوبة المفاجئة التي حدثت لك وأدت إلى الشعور بالجفاف في الفم، وصعوبة في البلع، وضيق التنفس، نسميها بنوبة الهرع أو الهلع، وهو نوع من القلق النفسي الحاد. هذه النوبات تعقبها دائمًا مشاعر وسواسية حول الأمراض، ومخاوف وتوترات، ومن ثم يبدأ الإنسان في التنقل ما بين العيادات والأطباء، ومتى ما أكثر من هذه الترددات على الأطباء؛ يزداد لديه الشك والخوف والوسواس حول الأمراض.

هذا هو الذي حدث لك أيها الفاضل الكريم، ونحن الآن نعيش في زمنٍ كثرت فيه الأمراض، وكثرت فيه المعلومات حول الأمراض؛ مما جعل الأمور تختلط على الكثير من الناس، وينتج عن ذلك قطعًا المخاوف المرضية.

أيها الفاضل الكريم: أنت لا تعاني من مرض عضوي، الذي تعاني منه نسميه بقلق المخاوف ذي الطابع الوسواسي، وعليه أريدك أن تذهب وتقابل الطبيب النفسي، فعلتك ليست كبيرة، وليست صعبة، واحتواؤها ممكن جدًّا، وتحتاج لأحد الأدوية المضادة لقلق المخاوف الوسواسي، ومن أفضلها عقار إستالوابرام، والذي يعرف تجاريًا بـ (اسبرالكس)، وكذلك عقار دوجماتيل والذي يعرف علميًا باسم (سلبرايد).

وفي ذات الوقت أنت محتاج قطعًا أن تجعل نمط حياتك أكثر إيجابية، وتواصل ممارسة رياضتك، وتنظم وقتك، تونام مبكرًا، وتكون إنسانًا فعّالاً ومتفائلاً، ومن وجهة نظري أهم نقطة هي: ألا تتردد على الأطباء كثيرًا.

أخي الكريم: حالتك تعالج بصورة فاعلة جدًّا، فاتبع ما ذكرته لك، والتوقف عن العادة السرية لا شك أنه أمر جيد، ويجب أن تهنئ نفسك بذلك، يجب أن تحسُّ بالرضا، لأنك بالفعل قد قمت بإنجاز كبير يساعدك -إن شاء الله تعالى- في تطوير وترقية صحتك النفسية والجسدية.

أنت لست محتاجًا لأي تحاليل أو صور، أو شيء من هذا القبيل، كل الذي تحتاجه هو اتباع ما ذكرته لك، وأن تذهب وتقابل الطبيب النفسي.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً