الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف أتعامل مع الوساوس في الإيمان وكيف أطمئن بأني مؤمن بالله وبالإسلام؟

السؤال

السلام عليكم

أنا محمود، وبعمر 17 سنة، عندي مشكلة منذ الصغر، وهي أني أقلق من أشياء غير منطقية كالخوف من أن أصاب بمرض لا يوجد سبب حقيقي لأصاب به، أو القلق من عدم النوم، وغيرها، ومنذ سنة بدأ هذا القلق في الدخول في نواح دينية؛ حيث بدأت أفكر في أفكار معظمها غير منطقية، تشكك في أمور كثيرة في الدين، وأحاول دائما الرد عليها، وإذا نجحت في الرد تتكرر الفكرة مرة أخرى بعد فترة، وأشعر بنفس الشعور والقلق، وإذا لم أستطع الرد أدخل في حالة قلق رهيب وخوف بأني قد أكون وقعت في الكفر.

أحيانا تكون بعض هذه الوساوس تخلط بين الإيمان بالشيء وتخيله، فأنا أؤمن بالله، لكن يستحيل أن أستطيع تخيل الله -سبحانه وتعالى- وبعضها تكون غير منطقية، مثل الشك في أن ما تراه حقيقي، فأتجاهل هذه الوساوس، ولكن أشعر بسبب تجاهلي بأن عندي شكا في الدين، وأخشى أحيانا بأن تكون بعض هذه الشكوك منطقية يلزم الرد عليها.

مما زاد قلقي أني قرأت في أحد المواقع بأنه يجب ألا يكون لدى المسلم شك في أي أمر من أمور الدين، وإلا وقع في الكفر، ويأتيني أحيانا وسواس بأني غير مؤمن بوجود الله، ومهما عرضت الأدلة المنطقية في عقلي يتكرر الوسواس كثيرا؛ مما يشعرني بأني غير مؤمن فعلا، وأحد هذه الوساوس -مع أني أشعر بأنه غير حقيقي- يجعلني لا أشعر بالإعجاز العلمي في القرآن، فأرجوكم -يا إخوتي- ساعدوني، هل يجب علي الرد على هذه الوساوس أم يمكنني تجاهلها؟ وكيف أشعر وأطمئن بأني مؤمن بالله وبالإسلام؟ فأنا أشعر بأن هذا ما أريده، ولكن من كثرة الوساوس أشعر بأني غير مسلم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمود حفظه الله.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:

الوساوس تبدأ في بعض الأحيان بعد سِنِّ الطفولة المتأخرة وفي وقتِ البلوغ، وبعد ذلك بقليل، ثم تتقلَّص وتختفي إن شاءَ الله تعالى.

ما يتسلَّط عليك من أفكارٍ هي بالفعل أفكارٍ وسواسية، والأفكار الوسواسية تكون دائمًا من البيئة، وممَّا يؤمن به الشخص، والوساوس الدينية كثيرة جدًّا، ونوعية الأسئلة التي تطرحها عليك الوساوس وتستحوذ وتتسلط عليك من خلالها بالفعل هي مخيفة للإنسان، خاصة مَن هو في عمرك، لكني أنا أؤكد لك أنها وساوس، وليست أكثر من ذلك، وأنها -إن شاء الله تعالى- عابرة.

محاولتك الردَّ على هذه الوساوس قد يُوصلك إلى قناعات وقتية بما تُريد أن تصل إليه، لكن الوساوس مُعقَّدة، والوساوس تستحوذ على الإنسان، لذا وُجد أن الوساوس الدينية يجب ألا يخضعها الإنسان للمنطق، وهذا ليس حِجْرًا للفكر للإنساني، إنما وُجد أن الإغلاق على هذا الوسواس من خلال التحقير مهمٌّ جدًّا، والتحقير يكون في مرحلتين: المرحلة الأولى تجاهل الوسواس تمامًا، ثم بعد ذلك مخاطبته بـ (إنك سواس حقير، لن أقوم بمناقشتك أو حوارك أو إقناع نفسي بما تجُرَّني إليه) يعني تجاهل وتحقير وتوبيخ للوسواس، دون أن تدخل في تفاصيله، دون أن تحاول أن تخضعه للمنطق، هذه هي الطريقة الصحيحة التي يجب أن تتعامل بها مع هذا الوسواس.

أيضًا –ابننا محمود– لا تترك مجالاً للفراغ، الوساوس تتصيد الناس من خلال الفراغ الزمني والفراغ الذهني، لذا استغلال الوقت بصورة صحيحة مطلوب في حالتك، وأن تملأ وقتك بما هو نافع ومُجدٍ ومفيد، بأن تُركِّز على دراستك، وأن تتواصل مع أصدقائك من الشباب الصالحين، وأن يكون لك مشاركات إيجابية داخل أسرتك، وأن تُفكِّر وتضع بعض البرامج المستقبلية والأهداف التي يجب أن يتمسَّك بها كل شاب له طموح وله آمال وأهداف في هذه الحياة.

التمارين الرياضية وتمارين الاسترخاء تُقلل من حِدَّة القلق المصاحب للوسواس، وحين يقِلُّ القلق لا شك أن الوسواس سوف يضعف، فاحرص على هذه الأنشطة.

بقي أن أقول لك: إن الدواء مفيد ومفيد جدًّا، والأدوية المضادة للوساوس ذات فعالية عظيمة، لكن نسبةً لعمرك أريدك أن تذهب وتقابل طبيبًا نفسيًا ليصف لك الدواء المناسب، والدواء سوف يُريحك تمامًا، وحين تستصحب العلاج الدوائي مع التطبيقات التي ذكرتها لك سوف يختفي هذا الوسواس تمامًا، وتكون في حالة من الارتياح والسعادة -إن شاء الله تعالى-.

باركَ الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.
++++++++++
انتهت إجابة د/ محمد عبد العليم استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان، وتليها إجابة الشيخ/ أحمد الفودعي مستشار الشؤون الأسرية والتربوية
++++++++++
مرحباً بك -أيها الولد الحبيب- في استشارات إسلام ويب.

نحن ندرك -أيها الحبيب- مدى المعاناة التي تعيشها بسبب هذه الوساوس؛ فإن الوسوسة من شر الأدواء التي إذا تسلطت على الإنسان أفسدت عليه حياته، وأدخلت عليه المشقة من أوسع أبوابها، ولهذا نحن ندعوك إلى أن تكون جاداً في مجاهدة هذه الوساوس والتخلص منها، ولن تريح نفسك إلا إذا أخذت هذه الوصية التي نضعها بين يديك مأخذ الجد، وصبرت نفسك على العمل بها.

نصيحتنا لك هي: الإعراض التام عن هذه الوسوسة، بحيث لا تشتغل بها، ولا تلتفت إليها، ولا تعبأ بها، لا تبحث عن إجابات للأسئلة التي تلقيها إليك الوسوسة، ولا تبحث عن براهين لدفع الشكوك التي تلقيها إليك الوساوس، لا تسترسل مع هذه الوسوسة، ولا تتفاعل معها، بل اصرف ذهنك عن التفكير فيها، إلى شيء آخر مما يفيدك من أمر دين أو أمر دنيا.

كل ما خطرت ببالك هذه الوساوس استعذ بالله تعالى من شر الشيطان، فإذا سلكت هذا الطريق وصبرت عليه؛ فإن هذه الوساوس ستزول عنك عن قريب بإذن الله تعالى، وكن على يقين بأنه لا دواء أحسن من هذا الدواء، فهو ما وصى به النبي -صلى الله عليه وسلم- من ابتلي بالوسوسة، قال -صلى الله عليه وسلم-: (فليستعذ بالله ولينته).

استعذ بالله وانصرف عن التفكير فيها وستذهب بإذن الله تعالى، واعلم بأن هذه الوساوس لا تضرك في دينك, ولا تخرجك من الإسلام ما دامت وساوس، وما دمت كارهاً لها ونافراً منها، فإن كراهتك لها ونفورك منها دليل على وجود الإيمان في القلب؛ إذ لولا وجود الإيمان لما انزعج القلب وخاف منها، وقد حكم النبي -صلى الله عليه وسلم- بهذا الحكم بأن من ابتلي بشيء من الوساوس وهو كاره لها؛ فإنه على إيمانه، بل جعل النبي -صلى الله عليه وسلم- كراهة الإنسان لهذه الوساوس دليل صريح على وجود الإيمان في القلب، فقال الرسول عليه الصلاة والسلام: (ذاك صريح الإيمان).

اطمئن على إيمانك، وجاهد نفسك للإعراض عن هذه الوساوس؛ تنجُ منها -بإذن الله تعالى- عن قريب.

نسأل الله لك الهداية والتوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً