الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أفكر بالمستقبل كثيرا وأسيء الظن بالناس وأقلق.. أريد حلا

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نشكر لكم جهودكم في مساعدة الناس، وجعلها الله في ميزان حسناتكم.

مشاكلي تبدو بسيطة، لكن لها تأثيرًا عظيمًا على حالتي النفسية والجسدية، وأتمنى أن تساعدوني.

المشكلة الأولى: دائمًا قلق ومتوتر، وتفكيري زائد، وأصبحت أسيء الظن بالناس.

المشكلة الثانية: دائمًا أفكر بالمستقبل، لكن المستقبل الذي أفكر فيه مظلم وكئيب لدرجة تمنعني من النوم.

المشكلة الثالثة: الكوابيس أصبحت أعاني من كوابيس لدرجة أني أصبحت أخاف من النوم.

المشكلة الرابعة: وأسوأ مشاكلي الموت، كلنا نعرف أن الموت حق، وكل نفس ذائقته، لكني أحيانًا تأتيني حالات الخوف من الموت لدرجة أني كرهت النوم، وأخاف أن أموت، وأنا نائم، وذهب هذا الشعور لأبعد من هذا، فقد أصبحت قلقًا على أهلي، أحيانًا أذهب لغرفهم لأتأكد، هل هم يتنفسون أم هم ميتون؟ صرت أخاف إذا سمعت أنهم ذاهبون لمكان فأظل أدعو الله ألا يصير بهم شيء.

خامسًا وأخيرًا: أنا كنت أغتاب، وأريد أن أتوب فكيف أتوب من الغيبة؟

أتمنى أن تجدوا حلا لمشكلاتي بأسرع وقت، والله يوفقكم دنيا وآخرة.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ سلطان حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نشكرك على التواصل والثقة في إسلام ويب.

أنا تدارستُ رسالتك، ومن خلالها أستطيع أن أقول لك أن المشكلات الأربع التي تحدثت عنها بدايةً كلها مترابطة ومتداخلة، وهي دليل على وجود القلق النفسي، ولا شك في ذلك، فالمشكلة الأولى هي تعبير واضح عن القلق، والمشكلة الثانية أن القلق أدَّى إلى عسر مزاجي، وكذلك تولَّد عنه صعوبات في النوم، ولديك ما يمكن أن نسميه بالتخوفات حول المستقبل.

الكوابيس دائمًا مصاحبة للقلق في كثير من الحالات، والمشكلة الرابعة هي مشكلة الخوف، وليس أكثر من ذلك، ومخاوفك أيضًا ذات طابع وسواسي.

أنت لا يعني أن لديك تشخيصات متعددة، تشخيص واحد، وهو قلق المخاوف، وليس أكثر من ذلك، والقلق يُعالج من خلال التعبير عن الذات، أي ألا تكون كتومًا، وأن تفرِّغ كل ما هو بداخل نفسك، وأن تتواصل اجتماعيًا، هذا -إن شاء الله تعالى- يساعدك كثيرًا.

ثانيًا: الحرص على ممارسة الرياضة.

ثالثًا: أن تُحسن إدارة الوقت.

ورابعًا: أن تكون لك أهداف واضحة في الحياة، وتضع الخطة التي توصلك لهذه الأهداف.

خامسًا: كن حريصًا على أذكار النوم، وتجنب الأكل في فترات المساء، وكن في حالة استرخاء تام قبل النوم، هذا يمنع عنك الكوابيس تمامًا، كما أن تناول الشاي والقهوة بعد الساعة السادسة مساء أمر لا ننصح به؛ لأن ذلك قد يزيد من قلقك، وكذلك الأحلام المزعجة.

الكوابيس أيضًا تعامل معها كما ورد في السنة المطهرة، وبصفة عامة - أخِي الكريم - حالتك ليست حالة خطيرة كما ذكرت لك، ومفاهيمك عن الموت هي مفاهيم صحيحة، لكن القلق حين يشتدُّ على الإنسان يُضعفه، ويؤدي إلى هشاشة في مشاعره ممَّا يزيد من مخاوفه، فيا أخِي الكريم: كن أكثر يقينًا بحقيقة الموت، وكن مكافحًا في حياتك، وعشها بقوة، واسأل الله تعالى أن يحفظك، وأن يُطيل في عمرك في عمل الصالحات.

مخاوفك حول أهلك، وأنك تذهب لتتأكد من مجرى التنفس خوفًا عليهم من الموت: هذا تفكيرك وسواسي، يُعالج أيضًا من خلال التجاهل.

والنقطة الأخيرة - أخِي الكريم -: قطعًا أنت في حاجة لعلاج دوائي، تناول أحد مضادات المخاوف والقلق، والتي تُساعد في القضاء على الوسوسة، أعتقد أن ذلك سوف يكون مفيدًا جدًّا بالنسبة لك.

إذا ذهبت لطبيب سوف يصف لك الدواء المناسب، وإن كان ليس بالإمكان أن تذهب للطبيب، وكان عمرك أكثر من عشرين عامًا، الدواء الذي يُناسب هو الذي يعرف تجاريًا باسم (زيروكسات Seroxat CR)، ويسمى علميًا باسم (باروكستين Paroxetine) يمكنك أن تتحصل عليه من الصيدلية، والجرعة التي تحتاجها جرعة بسيطة، هي: 12.5 مليجرام يوميًا لمدة ثلاثة أشهر، ثم 12.5 مليجرام يومًا بعد يوم لمدة شهرٍ، ثم تتوقف عن تناول الدواء.

الدواء دواء فاعل وسليم، دواء ذو فائدة كبيرة، أسأل الله تعالى أن ينفعك به.

أخي الكريم: أشكر لك صلتك وثقتك في إسلام ويب مرة أخرى، وسؤالك الخامس -إن شاء الله تعالى- سوف يُجيب عليه الشيخ أحمد الفودعي.
++++++++++++++++++++++++
انتهت إجابة د. محمد عبد العليم استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان، وتليها إجابة الشيخ أحمد الفودعي مستشار الشؤون الأسرية والتربوية:
++++++++++++++++++++++++
مرحبًا بك - أيها الأخ الحبيبُ - في استشارات إسلام ويب، نشكر لك ثناءك علينا، ونسأل الله تعالى أن يتولانا وإياك، وأن يعيننا وإياك على تقديم الخير والنفع، ونسأل الله تعالى أن يمُنَّ عليك بالعافية، ويُذهب عنك ما تعانيه.

وأما ما سألت عنه فبالنسبة للتوبة من الغيبة: يكفي في توبتك أن تندم على ما فعلت، وأن تعزم على ألا ترجع إليه في المستقبل، مع تركك للغيبة في الحال.

وأما حقوق هؤلاء الذين اغتبتهم، فإن كنت تظن أنك إذا استسمحتهم وطلبت العفو منهم لن يترتَّب على ذلك ضرر، أو مفسدة فهذا أحسن، فينبغي أن تطلب منهم العفو والصفح، أما إذا كنت لو أخبرتهم زاد الأمر سوءً فيكفي في توبتك أن تدعوَ لهم، وتذكرهم بالخير في الأماكن التي كنت تذكرهم فيها بخلاف ذلك.

وأما ما ذكرت من الخوف من المستقبل والتوتر الزائد، وما شابه ذلك ممَّا ذكرته، فعلاجه - أيهَا الحبيبُ - أن تُحسن الظن بالله تعالى، الذي رزقك وأنت في بطن أمك، لا تملك لنفسك حولاً ولا بك قوة، فالذي ساق إليك الأرزاق في ذلك المكان المظلم هو الذي يتولى أمرك في هذه الدنيا، وقد قال سبحانه وتعالى: {وما من دآبة في الأرض إلَّا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها}، وأخبر سبحانه وتعالى بأنه يرزق كثيرًا من خلق الله الذين لا يملكون لأنفسهم حيلة، ولا يقدرون على التدبير، فقال سبحانه: {وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم وهو السميع العليم}.

فالخوف من الرزق في المستقبل أو تأمين المستقبل، خوفٌ ناشئٌ عن عدم العقل، فإن العاقل المؤمن يُدرك بأنه لا يملك لنفسه شيئًا في الحاضر ولا في الماضي، ومع ذلك دبَّر الله تعالى أمره، وساق إليه رزقه، فهذا الذي فعل بك ما هو حاصل الآن هو الذي سيتولى ما سيكون في الغد، فلا حاجة للعقل أن يستعجل هموم الغد، ويعيشها حاضرةً نقدًا اليوم.

أما الموت فإننا - كما ذكرتَ - كلنا سنموت، ولا ينبغي أن يكون الخوف من الموت قلقًا ورُعبًا، بل ينبغي أن يوظفه الإنسان الوظيفة الصحيحة، فيجعله باعثًا له على الاستزادة من عمل الخير، والإكثار من العمل الصالح، وإمضاء الأعمار والأوقات فيما يُرضي الله تعالى، وبذلك يكون الموت رحلة إلى الخلود في النعيم، والانتقال إلى ما هو خير، ولذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في وصف العبد المؤمن - عندما مرَّتْ به جنازة - قال: (مُسْتريحٌ)، ولما سُئل -عليه الصلاة والسلام- قال: (أما المؤمن يستريح من نصب الدنيا) أو كما قال -عليه الصلاة والسلام-.

فالموت - أيهَا الحبيب - انتقال إلى ما هو خير من هذه الدنيا، فهو انتقال للنعيم الذي لا عناء فيه، ولكن هذا ينبغي أن يكون مبنيًا على أن يبذل الإنسان وسعه في التقرب إلى الله تعالى، وهذا أمرٌ سهل، يؤدِّي فرائض الله، ويجتنب ما حرَّم الله، ثم بعد ذلك يُحسن ظنَّه بالله تعالى، ويتعلق برحمته، فإننا لن ندخل الجنة إلَّا برحمة الله، وأعمالنا ليست إلَّا أسبابًا لذلك.

فنصيحتنا لك أن تُكثر من التفكُّر في أسماء الله (الغفور - الرحيم - الودود - اللطيف)، فهذه الأسماء تدل على أفعاله سبحانه وتعالى بنا، فهو يتودد إلينا بنعمه، وغفور يغفر لنا ذنوبنا وما كان منا، ورحيم يعاملنا بالرحمة واللطف، هذا الربّ الكريم ينبغي أن تُحسن ظنك به، وتتفقه في أسمائه وصفاته، فهو أهلٌ سبحانه وتعالى لأن يُحسن الظن به، وقد وعد سبحانه وتعالى بأنه يفعل بالعبد ما يظنُّه به، قال سبحانه في الحديث القدسي: (أنا عند ظنِّ عبدي بي، فليظن بي ما شاء).

نسأل الله بأسمائه وصفاته أن يمُنَّ عليك بالعافية، ونصيحتنا لك أن تتواصل مع الأطباء، لعلَّك تجد من الأدوية الحسية ما يُعينك على التخلص من هذه الحالة، نسأل الله تعالى لك العافية والشفاء.

والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً