الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ما تشخيص حالتي والأعراض الغريبة التي أعاني منها؟

السؤال

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

أنا الآن في 20 من عمري، وقبل سنة من الآن كنت أمارس حياتي بشكل طبيعي، وأفعل ما أحبه، وأقوم بواجباتي إلى أن جاء ذلك اليوم الذي أويت فيه إلى فراشي من شدة التعب في وقت مبكر، وعندها حاولت أن أنام لكني شعرت بشعور غريب آنذاك لا أدري ما هو الشعور بالتحديد؟ لكني شعرت بأن روحي تطلع من قدمي إلى أعلى جسدي، وأدركت حينها وقلت لنفسي: إنه الموت!

نهضت من فراشي، وذهبت لصلاة ركعتين، وتوجهت إلى أهلي؛ لكي أودعهم وأنا في صراع مع نفسي وأحاسيسي وشعوري، وبعد تلك الليلة جلست طريح الفراش لمدة شهر كامل بدون أن أدري ما هي العلة؟

كنت أستخدم الإنترنت لوصف أعراضي؛ لمعرفة ما يشابهها، ووجدت كثيرا من أمراض عضوية وغيرها، وأذهب إلى المستشفيات لكن ليس هناك خطر في تحاليلي ونتائجي، وتوجهت بعد ذلك للقراء والمشايخ؛ لكي أعلم إن كان هو مرضا روحيا، لكن لا فائدة، توجهت وتوجهت إلى أن كنت أقرأ في مواقع مشابهة لهذا الموقع، وقررت الذهاب إلى طبيب نفسي، وتوجهت إلى أفضل المستشفيات التي أعرفها، فقال لي الطبيب: أنت مصاب بنوبة هلع. وصرف لي وصفة علاج (باروكسات 30) جرام حبة ونصفا يوميا قبل النوم، واستخدمته لمدة سنة.

عندما أتناول العلاج تذهب تلك الأفكار، لكن طبيعتي مختلفة عن أصلها، تفكيري اختلف كثيرا، وأتساءل إلى الآن: لماذا حدث هذا؟ لماذا تغير تفكيري؟ وأصبحت أغرق في خيالاتي لدرجة أنه سجل في ملفي النفسي في المستشفى وسواس عن الإلحاد، وكنت وما زلت أصارع نفسي، وأخاف من الإلحاد، ولا أريد خوض هذا، أنا مؤمن بالله لكن هناك أفكار تراودني لا أدري ما طبيعتها! لم تكن زياراتي للمستشفى كثيرة؛ لأني أعلم أن هدفهم إقناع المريض بغير الواقع لعلاج مشكلته بطريقة نفسية متقدمة، وأنا أعلم هذا لأني من عشاق علم النفس، وأيضا أقلق حينما أتذكر لحظة التغيير هذه المفاجئة غير المستعد لها.

أنا رجل عاطفي جدا لدرجة أن عاطفتي تسبب عائقا لي، وأريد التخفيف منها بالذات تجاه المرض، وعندما أراهم -أقصد المرضى- فإنني أشعر أنني يوما من الأيام مصيري شيء كهذا؛ مما أراه من مرضى كثيرين؛ فأقلق، ويكون لدي فضول عن معيشتهم، لكن لم أسأل؛ لكي لا أجرح أحدا.

كنت أخاف من الموت، وكنت أشعر أنه اقترب، لكن عالجت هذا الموضوع بعد الله بالعلاج والتثقف عن الموت، وأتساءل عن الذي حدث لي: هل هو مرض روحاني أم مرض نفسي؟ لأنني أعلم أنه لا يمكن التفريق بينهما، وأنا الآن تائه في شخصيتي لا أعلم ماذا أحب وماذا أكره؟ ماذا أريد؟ وماذا عن مستقبلي؟ لا زلت في مقتبل العمر من أنا؟!

بسبب ظروف اضطررت أن أتوقف عن أخذ العلاج، وعزمت على ذلك، وراجعت الطبيب فأرشدني إلى الانسحاب التدريجي، فطبقت هذا الكلام حرفيا لكن الأعراض الانسحابية لم تخف، وأنا الآن في المرحلة الأخيرة، وهي كل (4) أيام نصف حبة، وتظهر أعراضي في كهرباء في الرأس، دوخة، فقدان للتوازن عند الحركة، الإرهاق عندما أريد أن أخطط ليومي أو لشيء أو حل مشكلة؛ مما يضطرني لإيقاف التفكير، وأيضا تقلب المزاج، والغضب السريع، والانفعالات، والندم علي، واستنكار تصرفاتي، مع العلم أنها طبيعية، والكوابيس المرعبة التي تختلط مع الواقع، والذي رأيته اليوم فإنه يتركب على شكل كابوس مفزع، مع العلم أني لا أستيقظ منها.

أنا رجل أحب أن أصف نفسي أني مجاهد في ديني، وأحافظ على صلواتي وقراءة القرآن قدر استطاعتي. علما أنه كانت هناك مشاكل في عائلتي من أمراض روحانية كنت أشاهدها بعين بريئة، والحمد لله الذي عافانا منها، لكنها لم تؤثر في آنذاك، هل هذا تأثيرها بعد كل تلك السنوات التي مرت؟.

أنا لا أعلم ما هو سؤالي تحديدا؟ لكن أريد تعليقا منكم على قصتي، وأعراضي، ومشكلتي، وانسحابي من العلاج، وتوجيهكم لي، وإرشاداتكم.

أنا كثيرا ما ترددت على هذا الموقع، وجاء اليوم الذي عزمت أن أشارككم، أريد تعليقا تفصيليا -إن أمكن- وأعتذر على الإطالة، ولكن حرصي على ألا يفوتكم شيء، وهذا أكثر اختصار استطعته، وأعتذر على الإطالة.

أسأل الله رب العرش العظيم أن يكتب أجركم، ويجعله في موازينكم، ويلهمكم، ويؤيدكم بتأييده، وأن يفرج هم وغم كل مريض، ويشفيه شفاء لا يغادر سقما، ويرزقكم رزقا طيبا، ويجمعنا في جنانه -يا رب العالمين-.
آمين.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ سائل حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

ما حدث معك بالفعل هي نوبة هلع بكل أوصافها وبكل مشاكلها، وبعد ذلك صارتْ تنتابك مخاوف وسواسية وأعراض اكتئاب، وعلاج الزيروكسات فعّال لكل هذه الحالات، ولكن أخذ حبة ونصف يوميًا من ثلاثين مليجرامًا -أي خمسة وأربعين مليجرام في اليوم- هي جرعة كبيرة، إذ معظم المرضى يتحسَّنون على جرعة عشرين مليجرامًا في اليوم أو أقل، ونادرًا ما نزيد الجرعة عن عشرين مليجرامًا. هذا من جانب.

والجانب الآخر: استمرارك في نفس هذه الجرعة الكبيرة لمدة سنة أيضًا فترة طويلة، ومعروف عن علاج الزيروكسات بالذات أنه يُسبب ما يسمى بالأعراض الانسحابية عند التوقف من تناوله، ولعل ما ينتابك الآن من بعض هذه الأعراض هي من آثار الأعراض الانسحابية من الزيروكسات، ولعله كان من الأفيد أو من الأحسن لك إذا كان الانقطاع بدرجة بطيئة أو وتيرة أبطأ، لأنك كنت تستعمل جرعة كبيرة ولفترة طويلة، فالوتيرة البطيئة في سحب الدواء قد تُقلل من الأعراض الانسحابية لدرجة كبيرة. هذا من ما يحدث معك الآن وما حدث معك من قبل.

أما تساؤلاتك عن المرض الروحي والمرض العضوي والمرض النفسي، فأحب أن أقول لك: إن الإنسان يتكون من ثلاثة عناصر (الروح - الجسد - النفس) أما الروح فأمرها عند ربي، وأما الجسد فهو من الطين، ويتكون من الأعضاء المعروفة، ويمكن معرفة ما بها من داء، إمَّا بالكشف الطبي المباشر أو بالتحاليل الطبية.

أما النفس فهي لا تُرى بالعين المجرَّدة، ولكن يُستدلَّ عليها من خلال بعض الأشياء مثل الكلام والسلوك والتصرفات والذاكرة والإدراك، وبهذا يُعرف اعتلال النفس، ونحن كأطباء نفس مدرَّبون على تشخيص الأمراض النفسية بالاستماع إلى الشخص -أو ما يسمى بالتاريخ المرضي- لكي يحكي الإنسان ما حصل له، وبكشف الحالة العقلية بإعطاء الشخص أسئلة مباشرة لمعرفة ما يدور بداخله، وبالاثنين معًا يتم التشخيص المبني على الأعراض والعلامات المرضية، ومن ثمَّ يُعطى العلاج المناسب.

أما الروح فكما ذكرتُ أمرها عند ربي، وهي من الأشياء الغيبية التي لا يُدركها الإنسان بالعقل البشري، قال تعالى: {ويسألون عن الروح قل الروح من أمري ربي وما أُوتيتم من العلم إلَّا قليلاً}.

الحمد للهِ أنك شخص متدين، ومحافظ على صلواتك وأذكارك، وهذا يُساعد جدًّا في علاج الاضطرابات النفسية، خاصة اضطرابات القلق، لأن الشخص يحس فيها بعدم الطمأنينة وبالخوف المستمر، فالمحافظة على الصلاة والذكر وقراءة القرآن تبعث في الشخص المؤمن الطمأنينة، وهي تساعد، مع العلاج الدوائي والعلاج النفسي، وإنني أحب أن أسميها العلاج الديني وليس العلاج الروحي، لأن هذا العلاج ينبع من ديننا الحنيف (الإسلام) والعلاج الديني مع العلاج الحديث إمَّا بواسطة الأدوية أو بالعلاجات النفسية هما مكمِّلان لبعضهما البعض.

ولكن -يا أخِي الكريم- دائمًا التشخيص يتم بواسطة أخصائي أو اختصاص الطب النفسي المدرَّب، العارف لخبايا النفس، وبالتالي هو الذي يستطيع أن يصف العلاج إمَّا الدوائي وإمَّا النفسي، وبالرقية وبالعلاج الديني يكمِّل هذا المجهود.

وفَّقك الله، وسدَّدك خُطاك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً