الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

شعور التغرب عن الذات أخرجني من الواقع، فما السبيل إلى العودة؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

قبل فترة كنت في مكان، وفجأة صارت ضربات قلبي سريعة جدا، حتى أحسست أن قلبي سيخرج، وبدأت أصراخ، وتوقعت أنني أحتضر، فذهبت إلى المستشفى، فكانت نتائج الفحوصات سليمة.

خرجت من المشفى وأنا في عالم آخر من اكتئاب وقلق وأحاسيس غريبة، بدأت معاناتي، اعتزلت العالم الخارجي، وتتكررت النوبات يوميا، وفي اليوم أكثر من مرة، فأكون متيقنة أنني سأفارق الدنيا في تلك اللحظة، اسودت الحياة في وجهي، نزل وزني كثيرا، تغير لون وجهي، لا أخرج، لا أغادر غرفتي، بكل صعوبة أذهب إلى دورة المياه، وبكل صعوبة أغادر سريري، أصبحت لا أغادر مكان نومي.

راجعت طبيبا نفسيا، وبدأت معاناتي مع الأدوية النفسية التي سببت لي أمراضا أخرى وأعراضا أخرى، أصبحت وقتها إنسانة لا أشعر بشيء، لا أجد طعما لشيء، تركت الدواء لأنه تسبب في مشاكل أخرى كنت في غنى عنها، بدأت رحلة أخرى من المشاكل، أصبحت نوباتي قوية جدا، لا أستطيع أن أواجهها أو أن أتحملها، ما أن تأتي أستسلم وأبدأ أراقب جسمي، أشعر كأن روحي تسحب، وأنظر لمن حولي بنظرة توديع، سأفارق الدنيا في هذه اللحظة، كم مرة عشت ذلك الشعور القاتل الشنيع، قتل هذا المرض كل شيء جميل في داخلي، من تفاؤل، من أحلام مستقبلية، تعثرت في دراستي، رفضت كل من تقدم لخطبتي، فأنا فتاة أموت في اليوم أكثر من مرة.

دخلت في نار الاكتئاب، دخلت في أعظم وأخطر وأشنع وسواس قهري، ألا وهو اضطراب الأنية، أشعر أنني لا أعيش في هذا العالم، أشعر بكل ما حولي غريبا، أشعر أنني غريبة عن هذا العالم، لا أفهم الدنيا، ولا أفهم من أنا، كأن أحدا يسيرني، يحركني، يتكلم عني، لا أشعر بشيء، لا أشعر بأهلي، شعور لا أستطيع أن أصفه، ماذا حل بي؟ من أنا؟ ما هي الدنيا؟ ما هم البشر؟ أنظر إلى كل ما حولي بغرابة، ساعدوني، ما العلاج؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أماني حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحب بك في الشبكة الإسلامية، ونسأل الله لك العافية والشفاء، وكل عامٍ وأنتم بخير.
أنا اطلعتُ على رسالتك والوصف الذي ورد فيها واضح جدًّا، والنوبة التي انتابتك في الأول تُسمى بنوبة الهلع أو الفزع أو الهرع، وهو نوع من القلق النفسي الحاد وغير المبرر، والذي غالبًا لا تُعرف أسبابه في معظم الحالات.

هذه النوبات بالبشاعة والفظاعة والإزعاج التي ينتج عنها تبعات نفسية سلبية، كالشعور بالمخاوف والوساوس والكدر، والتردد وضعف التركيز، وقلة الدافعية عند الإنسان، وهذا هو الذي حدث لك.

إذًا التشخيص معروف وواضح وبيِّنٍ جِدًّا، وأنا متأكد أن الأخوة الأطباء الذين قمت بمقابلتهم أكدوا لك هذا التشخيص.

أولاً: الذي أدعوك إليه هو ألا يكون هناك سأم أو يأس أو استسلام، هذا مهم جدًّا، هذه الحالات النفسية تُعالج عن طريق المقاومة، عن طريق التحقير، وعن طريق استبدال ما هو سلبي بما هو إيجابي، وهذا الاستبدال يكون على مستوى التفكير وعلى مستوى المشاعر، وأهم من ذلك على مستوى الأفعال، يعني: أن تقومي بواجباتك الحياتية مهما كانت مشاعرك، هذه هي طرق العلاج ووسائل العلاج المعروفة.

فيا أيتها الفاضلة الكريمة: ما يحدث لك من تجارب - عدم التأكد من الذات وما يصحبها من قلق – هي جزء من هذه الحالة، نعم هي مزعجة، لكنها ليست خطيرة، والخروج منها يكون من خلال – كما ذكرتُ لك – بالتركيز على الأفعال، على الأداء، وهذا لا يتأتَّى إلا إذا كان لديك برامج واضح حول الأشياء التي تودِّين القيام بها، ولابد أن يكون لك آمال وتطلعات إيجابية نحو المستقبل، تضعي الآليات التي تُوصلك إلى أهدافك، وتوزّعي وقتك بصورة جيدة ومنضبطة وسليمة، هذا هو العلاج.

أما فيما يتعلق بالأدوية: فالإنسان قد يمل بالفعل إذا تناول عدة أدوية وآراء مختلفة من الأطباء حول هذه الأدوية، من ناحيتي أقول لك: أن العلاج الذي سوف يفيدك من حيث الناحية الدوائية عقار يعرف باسم (سبرالكس) ويسمى علميًا باسم (إستالوبرام)، لا أريدك أن تتناولي أدوية كثيرة، لكن هذا الدواء جيد لعلاج الفزع والهرع والوسوسة والقلق، كما أنه في المقام الأول من أفضل محسِّنات المزاج.

الجرعة هي أن تبدئي بخمسة مليجرام، تتناولينها يوميًا لمدة عشرة أيام، بعد ذلك اجعليها عشرة مليجرام يوميًا لمدة أسبوعين، ثم عشرين مليجرامًا يوميًا لمدة أربعة أشهر، وهذه هي الجرعة العلاجية والمدة الكافية، وتنتقلين بعدها للجرعة الوقائية وهي عشرة مليجرام يوميًا لمدة ثلاثة إلى أربعة أشهر، ثم خمسة مليجرام يوميًا لمدة أسبوعين، ثم خمسة مليجرام يومًا بعد يومٍ لمدة شهرٍ واحدٍ، ثم يتم التوقف عن تناول الدواء.

أنت لم تذكري عمرك، لكن أحسبُ أن عمرك أكثر من عشرين عامًا؛ لأن هذا الدواء لا يُسمح باستعماله لمن هم دون العشرين.

أتمنى أن تكون قد اتضحت الرؤيا، أتمنى أن تُطبقي ما ذكرته لك، ولا استسلام ولا يأس، هذا هو المهم.

أسأل الله لك العافية والشفاء والتوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً