الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تنتابني وساوس بأني سأكون كافرا لو قمت بفعل أمر جائز

السؤال

السلام عليكم

أعاني من وساوس تنتابني عند إرادتي لعمل أمر مشروع بأني لو عملته سأكون كافرا، كتحريك رجلي أو يدي، أو التكلم بأمر مشروع، فهل عندما أفعل ذلك أكون قد خرجت من الإسلام والعياذ بالله؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ ahmed حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

إن الشيطان عدو للإنسان، يأتيه من بين يديه ومن خلفه، وعن يمينه وشماله، يلبس عليه دينه، ويشككه ويوسوس له بما ليس له أساس من الصحة، قال الشيطان متوعدا: (ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ ۖ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ)، من أجل ذلك أمرنا الله أن نتخذه عدوا فقال: (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ۚ إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ).

الشيطان ضعيف لا يستطيع مواجهة الإنسان، ولذلك يلجأ إلى الوسوسة، وعلى المؤمن أن يستعين بالله، ويظهر قوته، فلا يضعف ولا يستسلم للشيطان الرجيم.

ضعف الإنسان في مواجهة الشيطان يكمن في الإصغاء لتلك الوساوس، والاسترسال والتحاور معها، وقوته تكمن في قطع الاسترسال معها، وعدم تصديقها، والاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم.

من أفضل العلاجات للوساوس بكل أنواعها العلاج الرباني: كما قال تعالى: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ)، والمعنى إن أردت أن تقرأ القرآن أيها المؤمن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه، فإنك إن فعلت ذلك أدبر الشيطان وخسأ، فلا يوسوس لك، ولا يلبس عليك، لأنه ليس له سلطان عليك طالما استعذت بالله منه، واعتصمت به، والتجأت إليه، إنما سلطانه على الذين أطاعوه وجعلوه معينا لهم، ويقول: (وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)، والمعنى وإما يلقينَّ الشيطان في نفسك وسوسة من حديث النفس في أي أمر من الأمور فاستجر بالله واعتصم به إن الله هو السميع لاستعاذتك به، العليم بأمور خلقه جميعها.

أعظم سلاح للشيطان في مواجهته للإنسان هي الوسوسة، فلا يستطيع المواجهة، ويخنس عند اللقاء، ويدحض بالذكر، وينهزم بالاستعاذة بالله.

الشيطان إنما يوسوس لمن أَيس من إغوائه، وعجز عن إضلاله، فينكد عليه بالوسوسة لعجزه ويأسه، وهذا سر قول النبي -صلى الله عليه وسلم– لما شُكِي له من الوساوس الشيطانية: (الله أكبر الله أكبر، الحمد لله الذي ردَّ كيده إلى الوسوسة).

اهتم بأعمال القلب: كحب الله، الخشية، الرهبة، واجتهد في طلب العلم الشرعي؛ فإن ذلك من مقامع الشيطان.

داوم على أذكار اليوم والليلة كاملة، وستجد منها ما يعصمك من الشيطان الرجيم، منها أذكار الدخول والخروج من البيت، وأذكار دخول المسجد، وأذكار الصباح والمساء، والنوم وغير ذلك.

من العلاجات الناجعة أيضا الوصفة النبوية، لأنه علاج ممن لا ينطق عن الهوى، وإنما هو وحي من الله تعالى فقد جاء أناس من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فسألوه: إنّا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به فقال: (أو قد وجدتموه؟). قالوا: نعم قال: (ذاك صريح الإيمان) وقال عليه الصلاة والسلام:(يأتي الشيطان أحدكم فيقول من خلق كذا؟ من خلق كذا؟ حتى يقول من خلق ربك؟! فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته).

الشيطان بمنزلة قاطع الطريق، يريد أن يوقف المؤمن عن الاستمرار عن فعل الطاعات، فيأتيه بمثل هذا الكلام الذي لا صحة له، ولا مكان له، كما يقول لك: (إن رفعت رجلك فأنت كافر)، يريد أن يوصلك إلى أنه طالما قد كفرت فلم العبادات؟ حتى تتركها وهكذا دأبه مع المؤمنين ولهذا قيل لبعض السلف: إن اليهود والنصارى يقولون: لا نوسوَس فقال: صدقوا وما يصنع الشيطان بالبيت الخراب.

إن وسوس لك بمثل هذه الأفكار السخيفة الباطلة فخالفه، وحرك يدك ورجلك، ولا تبالي، فأنت مضطر للحركة أصلا، ولا يمكن أن تكفر بهذه الأفعال، فنواقض الإيمان معروفة، وليس منها تحريك اليد أو الرجل.

عليك بالمواظبة على رقية نفسك الرقية الشرعية، وخاصة سورة ق والدخان، فإن لهما تأثيرا قويا -بإذن الله- في دحر الشيطان الرجيم.

افزع إلى الركن الشديد، والتجئ إليه بصدق، وتذكر قوله جل شأنه: (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ ۗ أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ ۚ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ)، فاستغث بالله، ولذ به، وتذلل بين يديه، وانطرح ببابه، وصب العبرات حبا وتعظيما لجلاله، فإن وفقك الله لذلك فسيستجيب الله لك، وسيبدل همَّك فرجًا، وغمَّك سرورًا، وبلاءك عافية، وحُزنَكَ فرحًا.

الزم الاستغفار، وأكثر من الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فذلك من أسباب تفريج الهموم وكشف الكروب كما قال عليه الصلاة والسلام: من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا)، وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إذا تكف همك ويغفر ذنبك).

نسعد بتواصلك، ونسأل الله أن ينصرك على الشيطان الرجيم، وأن يفرج همك ويسعدك، إنه سميع مجيب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً