الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أخاف أن أخسر خاطبي بسبب عصبيتي، ماذا أفعل؟

السؤال

السلام عليكم.

أنا فتاة خطبت منذ سنة، في البداية كنت سعيدة جدا؛ لأن هذا الرجل هو أول من تقدم لي في حياتي، حيث كان عمري 26 سنة، ولكن لدي عيب كبير في شخصيتي وهو العصبية الزائدة عن الحد، والتجريح المستمر بالكلام حتى لأسباب بسيطة، لأني أحس دوما أني مظلومة، وأني لو سكت عن الشيء البسيط سيتمادى الطرف الآخر.

المهم أنه حصلت بيني وبين خطيبي العديد من المشاكل، وكنت أعصب وأوبخه وأهينه، لدرجة أني تماديت لأتهمه في رجولته، لكنه لم يتركني، فقد قال إنه يحبني، وعصبيتي مردها الظروف التي أعيشها (أعيش عند بيت جدتي لكن السيطرة في البيت لإخوة أمي وزوجاتهم، وعشت عندهم بسبب دراستي)، لكن عصبيتي الزائدة وسوء معاملتي له أوصله للعودة إلى فتاة كان عرفها قبلي، وذلك عن طريق الفايسبوك، ورغم أن العلاقة لم تقتصر إلا على أشهر معدودات، وقابلها مرتين في عملها، وكانت اتصالاتهم متقطعة، ولكني اعتبرتها خيانة، اكتشفتها صدفة، وعندما واجهته اعترف، وقال أنه أحبني أنا، وجاء لبيت أهلي أنا، لكني كنت أجرحه وأسيء الكلام، أما هي فتجيد فن الحديث المحترم، لكن رغم ذلك لم يستطع تركي ولا فسخ خطوبتنا، لما أخبرني بذلك انفجرت، وأخبرت جميع عائلتي وعائلته، وطلبت منه أن يبتعد عني، لكنه رفض، وجاء لبيتنا وأمه، وطلبوا فرصة ثانية، أما هو فقد أقسم على المصحف أنه يحبني، ولن يخونني ثانية، لا قبل ولا بعد الزواج، وأنه تخلى عن الفايسبوك نهائيا.

ظلمت في حياتي كثيرا، وواجهت فقط الناس الأشرار، وعند خطبتي أصبحت خائفة أن أضيع هذا الرجل الذي اعتبرته سندا ومنقذا، وفي كل مرة أكشف فيه عيبا أخاف أن يكون مثلهم، فأرد بتلك العصبية التي أمقتها في، رغم ما فعل في الحقيقة له سمعة ممتازة، ويحاول دوما إرضائي.

من جهة أخاف أن أبقى معه ويعيد الكرة، أو يكون شخصا كاذبا ومخادعا، ومن جهة أخاف إن تركته أن أضيع رجلا صبر علي، ويكون تصرفي سبب الخيانة وليس طبعه.

كما أن لي هاجسا آخر يسمى العنوسة رغم سني الفتي؛ لأنه لم يتقدم لي أي شاب غيره في حياتي، وأخاف لو فسخت الخطبة أن يتكلم الناس في، وأنتم أدرى بموقف البنت إذا تركت خطيبها رغم أنه يعقد علي بعد، فقط تلبيس خواتم.

حاليا أمر بحالة اكتئاب (لا أنام، ولا آكل، ولا أريد محادثة الناس، وأبكي دوما) فأنا أعيش في دوامة لم أجد لها مخرجا، فأرجوكم فرجوا عني كربة من كرب الدنيا؛ يفرج الله عليكم كربة من كرب الآخرة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ حائرة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فنرحب بك في الشبكة الإسلامية، وجوابا على استشارتك أقول:

الغضب صفة ذميمة، وعواقبها وخيمة وكارثية، ولذلك كانت وصية النبي صلى الله عليه وسلم لذلك الرجل الذي قال له أوصني أن قال له: "لا تغضب" فردد مرارا فقال: "لا تغضب".

لا تكوني نِدية ولا تردي على كل تصرف تجاهك في نفس الوقت، وفكري مرارا بالرد قبل أن يخرج من فمك؛ فهدوء الأعصاب يعطيك الفرصة الكاملة لانتقاء العبارات، ويجنبك ذل الاعتذار واحتقار النفس.

أي صفة سلبية في الإنسان يمكن معالجتها وإزالتها، واكتساب الصفة الحسنة المقابلة لها يقول نبينا عليه الصلاة والسلام: (إنما الصبر بالتصبر والحلم بالتحلم والعلم بالتعلم).

ينبغي على المرأة أن يكون عندها مهارة كسب قلب زوجها، وجعله منجذبا نحوها، هائما في حبها لا طاردة لحبه ومنفرة لقلبه.

تصرفات المرأة قد تتسبب في انتكاسة سلوكيات زوجها؛ لأن الزوج إن لم يجد سكن النفس وراحة القلب بالحلال ذهب ليتسولها بالحرام، وإن لم يجد من زوجته الكلام الذي يشبع عاطفته بحث عنه بالحرام إلا من عصمه الله.

أنصحك بعدم معالجة أي إشكال يطرأ في حياتك في حال وقوعه، وعليك أن تتركي شيئا من الوقت يمر كي تهدأ أعصابك ويذهب غضبك ومن ثم تنظرين للحادث بتجرد من خارج دائرة الحدث وليس من داخلها؛ لأن من كان داخلها لا يستطيع أن يوجد حلا إذ هو جزء من القضية.

اعترافك بأن عندك هذه الصفة السلبية (سرعة الغضب) دليل إنصافك، لكن الهم عندي هو أن تسعي جاهدة لتغيير هذا السلوك.

لا يمكن أن تسير الأمور كلها على ما تريدين أنت، لكن مرة كما تريدين وأخرى على ما يريد غيرك، ومن أراد أن تسير أموره كلها كما يريد هو فليعتزل الناس ولينظر كهفا أو غابة ليعيش وحيدا.

خطيبك يحبك كثيرا فلا تفقديه بسبب غضبك وتصرفاتك غير المدروسة، وكوني على يقين أنك لن تجدي شابا يسير على ما تريدين كالخيط بعد الإبرة.

روضي نفسك ودربيها على ترك الغضب، وعليك في حال الغضب أن تقعدي إن كانت قائمة، أو تقومي إن كنت قاعدة، أو اضطجعي أو تحركي وتوضئي، هكذا علمنا نبينا عليه الصلاة والسلام ومما علمنا كذلك الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم.

في حال أن أغضبك أي إنسان خذي نفسا عميقا ثم أخرجي النفس ببطء، وستجدين أن أعصابك تسترخي وتذهب جمرة الغضب منك.

اجتهدوا في التعرف على هذا الشاب وسلوكياته ممن يعيشون معه الحياة اليومية ويسافرون معه، ولتكن بطريق حكيمة لا يشعر أنكم تفعلون ذلك حتى ترتبطي بشخص عرفت صفاته.

لا تكوني مثالية؛ فالكمال عزيز، ولا بد من غض الطرف عن بعض النقص، ومعالجة أي قصور بهدوء وصبر، فكما أن لديك بعض الصفات السلبية فغيرك كذلك.

لا تصنفي كل تصرف تجاهك بأنه ظلم، وإن كان كذلك فليس كل شخص يُرد عليه، فأين صفة العفو عمن ظلم، وأين كظم الغيظ، ألم يذكر الله من صفات المؤمنين قوله: (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ).

تضرعي بالدعاء بين يدي الله تعالى وأنت ساجدة، وسليه أن يذهب عنك صفة الغضب، وأن يرزقك الزوج الصالح.

صلي صلاة الاستخارة، وادعي بالدعاء المأثور، وتوكلي على الله، فإن سارت الأمور بخير حتى يتم كتابة الكتاب فذلك دليل أن الله اختاره ليكون زوجا لك، وإن تعسرت الأمور فهذا يعني أن الله صرفه عنك، وكوني على يقين أن اختيار الله للعبد خير من اختياره لنفسه.

وثقي صلتك بالله، واجتهدي في تقوية إيمانك توهب لك الحياة الطيبة كما قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).

أكثري من تلاوة القرآن الكريم واستماعه وحافظي على أذكار اليوم والليلة يطمئن قلبك كما قال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ).

نسعد بتواصلك، ونسأل الله لك التوفيق والسعادة.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • الجزائر صاحبة الاستشارة

    شكرا استاذي الفاضل ارحتني كثيرا حفظك الله ورعاك وأطال عمرك وسدد خطاك

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً