الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا أستطيع الاستمرار والمداومة في أي شيء في أمور حياتي، فما توجيهكم؟

السؤال

السلام عليكم.

لا أستطيع الاستمرار والمداومة في أي شيء في أمور حياتي سواء الدراسة أو العمل، على الرغم أنني مميزة جدا في أي عمل أقوم به، وأنهيت دراستي بتفوق، ولكن دون حضور محاضرات أو اجتماعات، وأتقبل فكرة أنني لا أستطيع التعامل مع هذه المشكلة، ولكن ما يرهقني عدم مداومتي على صلاتي وعباداتي، على الرغم أنني أقرأ وأبحث بعلوم الدين، ومثقفة -والحمد لله-، ولكن قدراتي أيضا تحكم علي أحب الله، وأعلم أن ما يصلني به هو الصلاة والذكر، ولا أعلم ما أفعله، أشعر باليأس من حياتي كلها، ولا أتطلع إلى أي مستقبل بسبب ما أعيشه!

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ هيا حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

اعلمي ـأختي الفاضلةـ أن الاستمرار والمداومة على أي شأن من شؤون حياتنا مهما دق أو جل يحتاج إلى الحافز والدافع، الذي يكون بمثابة محطة وقود نتزود منها كلما خبت همتنا أو شعرنا بالفتور، ويكون بمثابة القوة الدافعة التي تعيدنا إلى المسار الصحيح إن انحرفنا، وتدفعنا إلى المضي بقوة إن توقفنا.

فأنت تشتكين من عدم قدرتك على الاستمرار والمثابرة في الدراسة أو العمل، والذي يؤرقك أكثر هو عدم قدرتك على الاستمرار في العبادة والصلاة، رغم أنك تقرئين وتبحثين في علوم الدين.

وبناءً على هذا، فعليك أن تنبتهي إلى ما يلي:

1 ـ لا بد أن يكون لديك الحافز والدافع القوي على الاستمرار، ومن أقوى المحفزات للإنسان: تحديد الهدف، فلا بد أن تحددي لنفسك هدفاً في هذا الحياة، ليس فقط على مستوى الدراسة، بل على جميع المستويات، المستوى الإيماني والروحي وهو الأهم، لأنه الدافع الأقوى على الإطلاق، ومن ثم المستوى الدراسي، المستوى الاجتماعي وغير ذلك.

3 ـ تأملي في الآيات القرآنية الآتية، وكيف يقترن العمل بالمحفز؛ قال تعالى: " إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات... " عمل ... انظري الآن إلى المحفز " كانت لهم جنات الفردوس نزلاً"، قال تعالى: " من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً " عمل ... المحفز ... " فيضاعفه له أضعافاً كثيراً..."، فسبحانه ألا يعلم من خلق، بلى وهو اللطيف الخبير، فالله سبحانه وتعالى أعلم وأدرى بأن ما يحرك النفس البشرية ويعينها على الثبات والمداومة إنما هو المحفز والدافع، فلذلك ربط كل عمل بحافز ودافع قوي يجعل المؤمن يعمل بجد ومثابرة ليفوز بما وعده الله سبحانه وتعالى.

فأنت كذلك اربطي نفسي بالحافز، ألا وهو الهدف، حددي لنفسك هدفاً في هذا الحياة، واربطي هدفك بالآخرة، هدفك من خلال دراستك، ما هي الأهداف التي من الممكن أن تحققيها من خلال دراستك؟ ما المشاريع التي ممكن أن تنفذيها عندما تنتهين من الدراسة وتتخرجين بإذن الله؟

4 ـ ومما يعينك على ذلك أن تقرئي كثيراً في مجال تخصصك، ولا تقتصري على الدراسات المحلية، بل استفيدي أيضاً من خبرات الآخرين في استثمار تخصصك، فالحكمة ضالة المؤمن.

5 ـ ومما يساعدك في ذلك أن تتعرفي على شخصيات تميزت وأبدعت في مجال تخصصك بعد تخرجها، فهذا سيوضح الرؤية لديك تماماً، ويجعلك قادرة على وضع هدفٍ.

6 ـ ومن ثم قومي برسم الخطوات الاستراتيجية لتحقيق هذا الهدف، واجعليها مقيدة بالوقت، وحبذا أن يكون هدفك مكتوباً، ودائم الحضور أمام عينيك، حتى يشحذ همتك كلما شعرت بالفتور.

7 ـ أما بالنسبة للفتور في أداء الصلاة والعبادة، نعم ربما أنت تقرئين وتتثقفين في المجال الديني، ولكن ليس كل الكتب تفيد وتنفع، فالكثير من الكتب الدينية للأسف أقرب إلى المنهج الفلسفي، وهذه لا تحرك قلباً ولا تشرح صدراً، لذا عليك بالكتب التي تتحدث عن الله سبحانه وتعالى وأسمائه الحسنى، وأنصحك هنا بموسوعة أسماء الله الحسنى للدكتور راتب النابلسي -حفظه الله-، فإن لم تتوافر لديك فلا بأس حاولي أن تسمعيها من خلال التسجيلات الموجودة في الشبكة، فأسماء الله الحسنى تجعل قلبك أكثر ارتباطاً ومحبة لله سبحانه وتعالى، كذلك اقرئي في الكون وما فيه من نعم مسخرة للإنسان، واقرئي عن الجنة ووصفها، وما أعده الله سبحانه وتعالى لعباده المتقين، مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، اقرئي في سيرة نبينا -صلى الله عليه وسلم-، فمحبتك لنبينا -صلى الله عليه وسلم- ومتابعتك له توصلك إلى محبة الله سبحانه وتعالى.

التزمي بحلقات العلم، واتخذي لنفسك صحبة صالحة تنهضك، وتأخذ بيدك وتتفقد غيابك، وتشجعك دائماً، وابدئي برحلة حفظ القرآن الكريم، فحفظ القرآن الكريم من أكثر الأشياء التي تربط قلبك بالله سبحانه وتعالى.

حافظي على أوراد الصباح والمساء، واجعلي لسانك دائماً رطباً بذكر الله سبحانه وتعالى، ولا سيما الاستغفار والصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-، ففيهما جلاء للقلب، وانشراح الصدر، وقرباً من الله سبحانه وتعالى، وخاصة إذا كان قلبك حاضراً عند الاستغفار أو الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-.

ولا تنسي بر الوالدين، وطلب الدعاء منهما.

وأخيراً: الدعاء ثم الدعاء ثم الدعاء، مع الإلحاح وتحري ساعات الإجابة، أن تسألي الله الثبات.

أسأل الله أن يجعلك من أهل الفلاح والصلاح في الدنيا والآخرة اللهم آمين.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً