الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف أتخلص من نفسي الأنانية لكي أكسب بر والدي؟

السؤال

السلام عليكم

أنا فتاة حديثة التخرج من الجامعة، مشكلتي ليست إلا مع نفسي، أكرهها جدا بسبب شخصيتي العصبية والحساسة، وهاتان الصفتان تؤثران على حياتي بشكل كبير، فللأسف أصبحت أمي تحسب لي حسابا عندما تكلمني، لأنني أغضب بسرعة، وهذا أمر لم ألحظه إلا مؤخرا، بدأت ألاحظ بأنني أعتبر شخصا عاقا لوالديه، لأنني أكره طلبات أبي الكثيرة، فلا أجلس خمس دقائق كاملة إلا ويناديني يريد شيئا موجودا أمامه وهو ليس عاجزا، إنما هو -ولله الحمد- بصحته الكاملة، فبدأت أتذمر وأتأفف لأنه يناديني كثيرا، وبدأت أكره قدومه للمنزل من العمل، فمنذ لحظة دخوله تبدأ طلباته، وأغضب لأنني طوال اليوم أقوم بمراقبة أخي الصغير والنوم معه، وإطعامه، وإعداد الغداء لأهلي قبل مجيئهم من العمل، ولا أجد وقتا لنفسي أبدا، وهذا شيء يغضبني كثيرا.

لديّ الكثير من الأهداف والأمور التي أحب أن أنجزها، فبدءوا يلقبونني بالأنانية، لأنني أحب خصوصيتي ووقتي الخاص، ولم أغضب أبدا، فأنا فعلا أنانية في هذه النقطة، لقد أصبحت أكرههم بسبب طلباتهم الكثيرة، وخدمتي المتواصلة.

أما بالنسبة لأبي، فأسلوبه في الطلب أسلوب إجباري قصري، أشعر بأنني خادمة، وقد كلمته أمي في هذا الموضوع وأخبرها: بأنهم أولادي، وهم موجودون لخدمتي.

أريد أن أقتل نفسي (ليس انتحارا، وإنما قتلا لنفسي الداخلية الأنانية)، أهلي لم يقصروا معي أبدا، ويلبون كل طلباتي بالرغم من حالتنا المادية البسيطة، ودائما يحاولون إسعادي، لأنني منذ زمن كنت أعاني من اكتئاب شديد، وما زال هذا الاكتئاب موجودا لأنني لم أقبل بالعلاج، لأن اكتئابي كان يعجبني بطريقة ما، ولكنني الآن أكرهه، أعتقد بأنها مجرد أحاسيس مراهقة فحسب.

لا أصدق أنني أصبحت أكرههم، ولا أصدق كم أنا عاقة، فأصبحت أردد في عقلي لماذا يجب عليهم أن يحضروا لنا أخا صغيرا، ألم يكتفوا بنا؟ أريد أن أعيش لوحدي، أريد الخروج من هذا المنزل في أقرب فرصة، كم أنا سيئة، هم يستحقون مني كل تعبي ويومي ووقتي، وهي أنني أصحبت عاقة، كل هذا كان يحدث معي لكنني لم أكتشفه إلا بعد تخرجي، فقد بدأت تتضح لي أشياء كثيرا لم أعرها انتباها من قبل.

ما أريده حقا هو أن أكون بارة بوالدي، وخصوصا أبي، فهو للأسف لا يصلي، ولا يصوم، أريد أن أدعو له طوال الوقت، لكنني عندما أرى ماذا يفعل أقول لنفسي: كل نفس مسؤولة عن أعمالها، أريد له الجنة حقا، وأخي الصغير يأخذ كل وقتي وجهدي، فبتُّ أكرهه، أريد حقا أن أصبر عليه وأربيه تربية حسنة، لكنني لا أستطيع، فهو يغضبني كثيرا، وأخاف عليه من أن يؤذي نفسه، فلا أتركه لثانية واحدة، لكنني مللت، أعرف أن كل هذا ليس إلا لصالحي أمام الله، فهو أجر عظيم، لكن -كما قلت- نفسي الأنانية تسبب لي الكثير من الذنوب، وما يخيفني هو ذنوب عقوق الوالدين، ماذا أفعل؟

أشيروا علي بنصحكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Malak حفظها الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

نرحب بك في الشبكة الإسلامية، وأهنئك على تخرجك من الجامعة، وأسأل الله تعالى أن يجعل ذلك خيراً لك، رسالتك هي رسالة احتجاج على وضع اجتماعي ترينه غير مريح بالنسبة لك، والإنسان قطعاً قد يتضجر، وقد يتململ إذا حس أنه يكلف بأمور فوق طاقته، خاصة من الأقرباء، لكن في حالتك أنا أرى أن الأمور مختلفة تماماً، أنا أرى أن الله تعالى قد خصك بأن تكوني تلك الفتاة التي تعمل من أجل بناء أسرتها، ومن أجل إسعاد والديها وأخوتها.

ويا -أيتها الفاضلة الكريمة- الإنسان الذي لا ينفع نفسه، ولا ينفع غيره، لا فائدة فيه، نعم كثرة التكاليف قد تؤدي إلى الإنهاك، وإلى الإجهاد في بعض الأحيان، لكن بشيء من ترتيب الوقت وتنظيمه، وأخذ قسط كاف من النوم الليلي، وأن تستشعري أهمية الأعمال العظيمة التي تقومين بها، خاصة ما يكلفك به والدك وهو محتاج لعونك، لعونك في خدمته وبره، وأسأل الله تعالى أن يجعلك سبباً في هدايته نحو الصلاة، وهذا الموضوع يجب أن تركزي عليه كثيراً، تحدثي معه بكل ودٍّ حول الصلاة والصوم وأهمية ذلك، ويا حبذا لو يأتي ويزوره أحد المصلين من الأهل أو الجيران، ويربط معه علاقة تساعده بأن ينتهج طريق الهداية.

-أيتها الفاضلة الكريمة- أنت تقومين بعمل كبيرٍ وعمل له قيمته، وأسأل الله تعالى أن يكتب لك الأجر في الدنيا والآخرة.

لا تتضجري، أنا أعتقد أنه من خلال تنظيم الوقت، ومن خلال تغير فكرك السلبي إلى فكر إيجابي خاصة فيما يتعلق بهذه الإنجازات الأسرية، والمهام الكثيرة التي تقومين بها، هذا سوف يجعلك تحسين مما نسميه بالمردود الإيجابي الداخلي، لا تتضجري أبداً، وكما ذكرت لك سلفاً تنظيم الوقت يعني تنظيم الحياة، والقسط المريح من النوم الليلي سيجدد طاقاتك، افتحي لنفسك آفاقا جديدة، الانخراط في دراسة مثلاً، كدراسة الماجستير، أن تخصصي وقتا للترفيه عن نفسك بما هو طيب وجميل ومباح، أن تذهبي إلى أحد مراكز تحفيظ القرآن مرة أو مرتين في الأسبوع مثلاً، هناك أشياء كثيرة ممكن أن تعود عليك بانفراج نفسي كبير.

اجعلي للرياضة مجالاً في حياتك، فالرياضة تقوي النفوس، وتطور المهارات، وهي متنفس عظيم جداً، كافئي نفسك بأن تستشعري أهمية العمل الإيجابي العظيم الذي تقومين به، أنت فيك خير كثير.

فجزاك الله خيراً.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً