الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تغيرت حالتي للأسوأ وأريد العودة لحالتي الطبيعية!

السؤال

السلام عليكم.

أريد مساعدتكم، تغيرت شخصيتي للأسوأ فقد كنت هادئة واجتماعية، وأحب الضحك، ولكن بعدما تركني الذي أحبه اختلفت كثيرا، وأصبحت عصبية، أغضب على أتفه الأسباب، وسليطة اللسان، ولا أحترم أحدا، ولا أستطيع التحكم بأعصابي، ومتضايقة دائما، ولا يعجبني ولا يسعدني أي شيء، وأجلس في غرفتي لوحدي.

أنعزل لوحدي، وأمثل على الجميع بأنني أريد النوم حتى لا أجلس معهم، لم أكن هكذا، فأنا أريد حلا لحالتي هذه، والعودة لحالتي الطبيعية.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخت الفاضلة/ ميس حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

بارك الله فيك، وأهلاً وسهلاً بكِ في موقعك, وأسأل الله أن يُفرّج همّك، ويكشف غمّك، ويعوّضك خيرا ويرزقك الزوج الصالح والحياة السعيدة والنجاح في حياتك عامة.

بخصوص ما تعانينه من تغيُّر سلبي في طبيعتك وأخلاقك نتيجة هجران من تحبين لكِ, فلا يخفى عليك أنها علاقة غير شرعية ولا تجوز، فلم الحزن على معصية تعصين بها الله؟ وتذكري أن الحياة الدنيا طُبعت على الابتلاء (لقد خلقنا الإنسان في كبد), وأن الراحة التامة إنما هي في الجنّة فحسب, واستحضري فضيلة الصبر على البلاء (إنما يوفّى الصابرون أجرهم بغير حساب), وفي الحديث (أشد الناس بلاءً الأنبياء, ثم الأمثل فالأمثل... فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة) وفضيلة الشكر للنعماء, فلنتذكّر أننا إذا فقدنا أو حُرمنا أشياء فقد منحنا الله تعالى نعماً كثيرة, لو لم تكن إلا الإسلام والعقل والعافية والأهل لكفى(وأما بنعمة ربك فحدِّث).

تذكّري أيضاً أن الناس كلهم يمرون بمواقف وظروف وضغوط وأزمات صعبة ومختلفة, ومنها تخلي الأحباب والأصدقاء عنهم والتعرُّض للإخفاق والخذلان ومشاعر الخيبة والفشل, مما يفقد الكثيرين عامل الثقة بأنفسهم, ولا شك أن هذا أمرٌ سلبي وخاطئ؛ ذلك أن الثقة بالنفس بعد حسن الظن بالله تعالى عامل مهم وأساسي لتكوين شخصية الإنسان ونجاحه في حياته, ولذا فإني أنصحك بالآتي:
- الحذر من المبالغة والإفراط في مشاعر الحزن والخوف المستمر والقلق والارتباك والشعور بالضعف والدونية والانهزام والإحباط والنقص, أو المبالغة في اعتبار ومراعاة كلام الناس أو المقارنة بهم.

- الحذر من آفات اليأس والقنوط من رحمة الله, (إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون)، (ومن يقنط من رحمة ربّه إلا الضالون)؛ ذلك أن اليأس سوء ظن بالله تعالى, كما وهو يُقعد صاحبه عن العمل ويصيبه بالمتاعب النفسية والإحباط والفشل.

- ثقي وتيقني أن كل محنة وفتنة في طيّهما المنحة والنعمة, جزاءً من الرب للعبد على رضاه وصبره, كما أن الإنسان كثيراً ما يجهل عاقبة أمره ومصلحته (وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شرٌ لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون) (لا تحسبوه شرّاً لكم بل هو خيرٌ لكم).

- لذا أوصيك بالتحلّي بحسن الظن بالله تعالى, والرضا بالقضاء والقدر, وهو علامة صحّة العقيدة, ويُسهم في قوّة الإرادة وتعزيز الثقة بالنفس, (ما أصاب من مصيبةِ إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهدِ قلبه), وقد صح في الحديث: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف...احرص على ما ينفعك, واستعن بالله ولا تعجز) رواه مسلم, فالتحلّي – أختي العزيزة – بالمزيد من الصبر والمجاهدة للنفس والهوى والشيطان, (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين), والتحلّي بقوة الإرادة والعزيمة والحزم والعزم والتصميم والإصرار والثقة في القدرة على النجاح وتجاوز كل العوائق والتحديات, وإن استرجاع الثقة والطاقة والحيوية والمستوى الدراسي, يحتاج لعوامل التحلّي بالشجاعة ومرور الزمن وتعزيز الثقة فحسب (ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين), وأن تطرحي مخاوفك جانباً, وتتغلبي على شكوكك وتطردي الأفكار السلبية وتصفي ذهنك وتتحرري من القلق والشعور بالضعف والتفكير السلبي.

- أهمية الصحبة الصالحة والطيبة في حياة الإنسان والتأثير على مستوى ومنسوب إيمانه وقناعاته وتحقيق مصالحه الدينية والدنيوية, فالصديق الصالح مهم في حياة الإنسان لاسيما المُبتلى بالضيق والهموم, حيث وإن الصديق الصالح يذكّرك إذا نسيت وينبهك إذا غفلت ويعلمك إذا جهلت, وهو خير عدّة لأوقات الرخاء والشدة, وقد صح في الحديث: (المرء على دين خليله, فلينظر أحدكم من يخالل)
والوقت أنفس ما عُنيت بحفظهِ ** وأراه أهون ما عليك يضيعُ

- يستلزم منك ضرورة الترتيب والتنظيم والتخطيط الصحيح والدقيق للوقت وشغله وتوجيهه بما يعود عليك بالمنفعة والفائدة في المذاكرة وتنمية المواهب والثقافة ومتابعة المحاضرات والدروس والمحاضرات والبرامج المفيدة, والقراءة في السيرة النبوية وسير العظماء والصالحين, والتأمل والاعتبار في سِيَر الناجحين, والتأسي والاقتداء بهم
فتشبّهوا إن لم تكونوا مثلهم ** إن التشبّه بالكرام فلاحُ

- ومن المفيد في هذا الباب قراءة الكتب التالية : "لا تحزن" للشيخ عائض القرني, و"استمتع بحياتك" للشيخ العريفي, و"جدد حياتك" للشيخ محمد الغزالي.
- وتذكّري أن ردّة فعلك السلبية في العدوانية والعصبية مخالف لمقتضى الأخلاق الإسلامية, كما وأن له ردوداً عكسية على حياتك ونفسيتك وصحتك وسعادتك, جاهدي نفسك على إلزامها مقتضى الصواب والرشاد.

- كما وأنصحك بلزوم الرقية الشرعية ومراجعة طبيب نفسي مختص عند اللزوم, واللجوء إلى الله تعالى بالدعاء, متحيّنة أوقات الإجابة, حيث قال تعالى: (وقال ربكم ادعوني استجب لكم), وفي لزوم الطاعات والنوافل وأذكار الصباح والمساء وقراءة القرآن والاستغفار والصلاة على الرسول -صلى الله عليه وسلم- ما يسهم بلا شك في تقوية وتنمية الإيمان وتحصيل عون وتوفيق الرحمن وطرد وساوس النفس والهوى والشيطان والفوز بالجنّة والنجاة من النيران.

- أسأل الله تعالى أن يمنّ عليك بما يحب ويرضى, ويسعدك في الآخرة والأولى وبالعفو والعافية ويثبتنا وإياك على الدين ويهدينا صراطه المستقيم, والله الموفق والمستعان, وهو الهادي إلى سواء السبيل.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً