الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تخليت عن حفظ القرآن من أجل الجامعة فشعرت أنني تائهة وبعيدة عن ربي.

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أريد أن أخبرك يا شيخ بما أمر به، وهو ليس بالأمر الشديد القوي، ولكنني أعلم أن ما من كلام سيصلحني؛ لذا ما عدت أتكلم لأحد، ولكنني أردت أن أجرب وأطرح مشكلتي.

أنا طالبة في الجامعة في العام الثالث، منذ بداية هذا الفصل وأنا مشتتة؛ نظرا لضغوطات الجامعة، ظننت إن تخليت عن ذهابي لحفظ القرآن ودروس العلم التي كنت أواظب عليها، وحتى القناة التي كنت أسمعها أحيانا سأكسب وقتا لا لألهو وإنما لأؤدي عملي بالجامعة.

وعلمت منذ مدة طويلة أنني خدعت نفسي، الآن أعلم سبب شقائي في هذا الفصل الدراسي لا لأنه شديد أو مضغوط كما يقول البعض، وإنما لأنني تخليت عن نفسي، تخليت عن أهم ما عندي، كنت أظن أنني سأترك الحفظ لأهتم بالقراءة والتدبر، وأنا حتى الآن مقتنعة تماما أن التدبر أهم وأولى من الحفظ، رغم أنني أتممت حفظ القرآن منذ ثلاثة أعوام تقريبا، ولكني لا أعتبرها؛ لأني كنت أحفظ سريعا وأنسى سريعا، فكنت أحاول منذ عام مع معلمة في المسجد لأعيد الحفظ، ولكن رغم هذا الاقتناع فأنا لا أقرأ، أقول بعد قليل، دوما أقول بعد قليل ثم أنسى حتى ينتهي اليوم ولم أقرأ.

أشعر بل أنا حقا تخليت عن نفسي حين تخليت عن الحفظ وعن الدروس، والآن لا أستطيع العودة، فإن عدت إلى المسجد أجدهم قد سبقوني بكثير، فما بيدي أن أواكبهم، والدروس قد شدت الرحال كثيرا، وأنا ما بدأت بأولها حتى ألحقهم في النهاية.

منذ أن لاحظت أنني تائهة وبعيدة عن الله منذ الأسبوع الثاني أو الثالث تقريبا في الفصل وأنا أحاول وأدعو ليس كل يوم ولكن أدعو من فترة لأخرى، وهي فترات قريبة وأرجو لو أتحسن، ولكني لا أتحسن، لا أجد حلا ولم أعد منتظرة لحل، بل كل ما أنتظره هو أن يأتي رمضان وأنتهي من هذا الفصل الذي تخليت فيه عن أهم ما لدي؛ فأنا أثق أن لا شيء سينصلح فيه مهما فعلت.

فأنا بالمناسبة لي يا شيخ لا أظهر حزني أمام الناس أبدا، بل حينما أذهب للجامعة أضحك دائما مع كل صديقاتي، وأتعامل معهن بكل فرح وسرور، حتى أنني أحيانا أقول إنني لا أصدق نفسي؛ ولكن أقسم لك أن ما قلته سابقا هو ما بقلبي، لم أعد أشعر بقلبي، أشعر فقط بشدة التعب مني ومن بعدي عن ربي، أشعر بالتعب الشديد جدا بداخل قلبي حتى أنه مات وسكن ولم يعد يتحرك من كثرة خيبة الأمل، أنوي ثم لا أعود، وأضحك مع الناس، وأتحدث كثيرا فهل هذا خطأ؟ ما عدت أعرف شيئا، وما عدت أهتم، لذا فكل أملي صار في رمضان حتى أكون في البيت بعيدة عن الناس، فقط مع ربي لعلي بذلك أتحسن وأطيب.

جزاك الله كل خير لقراءتك مثل هذه الكلمات، وإن كنت أراها لا تسوى شيئا، ولم أجد حلا، فأنا أشكرك جزيل الشكر أنك قرأتها.

وصدقني لا ترى على وجهي الحزن والبؤس والكآبة، بل أنا أكثر الناس ضحكا، ولكنني فقط لم أعد أحتمل بعدي عن الله، ولم أعد أحتمل كثرة نواياي للعودة التي دوما يصحبها عدم العودة، وبصراحة لا أظن أنني يوما سأتقدم خطوة تجاه الله، فإني إن خطوت خطوة عدت ألف خطوة، لذا فمهما فعلت وفعلت فإني إن تقدمت فلا أعود إلا لنفس الخطوة السابقة التي لربما هي فقط بداية الطريق.

وبهذا الشكل لا أظن أني أبدا سأتقدم، ولا أظن أني أبدا سأتمكن من أن أثبت لربي بالفعل أنني أحبه لا بمجرد الكلمات، أتمنى لو أرضي الله سبحانه وأكون دوما لطاعته، ولكن يبدو أنه هيهات مع شخص مثلي.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخت الفاضلة/ حسنة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أختي الكريمة: بعد قراءة رسالتك أخلص منها إلى أنك تعانين من أمور: منها عدم الانتظام فيما أنت فيه من الخير، ومنها التراجع عما كنت عليه من الخير، ومنها عدم حسن التوفيق بين الدراسة وحفظ القرآن وطلب العلم، والذي يمكن أن ننصحك به لحل ما تقدم:

أولا: عليك أن تعلمي أن نفس الإنسان لها إقبال وإدبار، فتكون في قمة النشاط في الطاعة والعبادة، ثم يحصل تراجع عما كانت عليه، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لِكُلِّ عَمَلٍ شِرَّةٌ ، وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةٌ ، فَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى سُنَّتِي فَقَدْ أَفْلَحَ، وَمَنْ كَانَتْ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَقَدْ هَلَكَ "رواه أحمد برقم 6958.؛

ولذلك عليك توطين نفسك في حال الفتور، أن لا يقل العمل عن أدنى مستوى مما تقدرين عليه، فحفظ القرآن مثلا ينبغي قليلا مستمرا، فإذا وجدت نشاطا وفراغا فلا مانع من الزيادة، ولكن إذا حصل فتور فلا ينبغي الترك للحفظ بالمرة؛ فهذا خطأ، بل ينبغي أن تحافظي على الحد الأدنى.

وأما ثانيا: ليس هناك تعارض بين الدراسة وبين طلب العلم، بل يمكن الجمع بينهما إذا كان لديك جدول سنوي ومنه جدول شهري ويومي يمكن أن تتنظمي من خلاله للسعي في التحصيل الدراسي والتفوق فيه، وتحصيل ما أمكن من العلم الشرعي، ولا داعي للقلق أن حلقات العلم قد مضى فيها الطالبات إلى مستوى بعيد عنك فإنه يمكن تدارك ذلك، ولكن بعد وضع الجدول الزمني المحدد الذي يمكن فيه تقسيم المهام على ساعات اليوم.

وأما ثالثا: عندما يشعر المرء بالشتات وعدم القدرة على الاستمرار في عمل معين- ولهذا يحصل التراجع عن بعض الخير، ثم الشعور بالحسرة والندم، وعلاج هذا-: أن تحرصي على الاستعانة بالله، والإكثار من قول لا حول ولا قوة إلا بالله، وعليك بالتضرع إلى الله أن يعينك في تحقيق ما ترغبين به فتسألين الله أن يمن عليك بحفظ القرآن، وأن يسهل لك التفوق الدراسي، وأن يرزقك من يعينك على تحقيق أهدافك، ثم عليك الالتزام التام بخطتك التي تطمحين إليها.

وفقك الله لمرضاته.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً