الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا بأس بالتمتع في الدنيا بما أحله الله والآخرة خير وأبقى

السؤال

أريد أن أفهم ديني جيداً... لماذا الزنا حرام.. لماذا أن يكون لي أصدقاء من الجنس الآخر حرام... لماذا اللباس المحتشم دون تغطية الرأس لا يجوز... لماذا القليل من الكحول الذي لا يسكر حرام... لماذا الفوائد من البنوك حرام.... أنا أعمل وأتعلم وأجتهد وأريد أن أتمتع بهذه الحياة؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالزنا حرام لأنه يجلب على المجتمعات الأمراض القتالة كالإيدز وغيره، ويشيع بينهم البغضاء، ويتسبب في كثير من الجرائم وبه تختلط الأنساب وتضيع العفة، وقبل ذلك كله هو جالب لسخط الله وعقابه، وقد رتب الله عليه عقوبات شديدة في الدنيا والآخرة، قال الله تعالى: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا* يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا* إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا {الفرقان:68-69-70}.

وقد جاء في رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم التي قصها على الصحابة الكرام : فانطلقنا فأتينا على مثل التنور قال وأحسب أنه كان يقول فإذا فيه لغط وأصوات قال فاطلعنا فيه فإذا فيه رجال ونساء عراة وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا ، وفي آخر الحديث سأل عنهم صلى الله عليه وسلم فقيل: وأما الرجال والنساء العراة الذين في مثل بناء التنور فإنهم الزناة والزواني. رواه البخاري.
وسبب تحريم إقامة الصداقة بين الجنسين خارج إطار الزوجية وتحريم كشف الرأس أو غيره من عورات المرأة هو لأن ذلك يجر غالباً إلى الزنا، والوسيلة إلى الحرام حرام.

والكحول محرمة، لأنها هي سبب الإسكار في الخمر، والخمر محرمة بنص القرآن الكريم، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {المائدة:90}، والأمر بالاجتناب يفيد التحريم إذا خلا عن القرينة الصارفة، وليست هنالك قرينة صارفة، والحكمة في تحريم القليل من الكحول ولو لم يُسكر هي أن الإسكار أمر نسبي، فقد يشرب المرء الخمر ولا تسكره لتعوده عليها أو لسبب آخر، والعبرة هي بكون هذا الشراب صالحاً للإسكار بطبيعته، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما أسكر كثيره فقليله حرام. رواه أحمد وأبو داود عن جابر، وصححه الألباني.

وأما تحريم فوائد البنوك فقد ذكر أهل العلم لتحريمها خمسة أسباب، كما أورد الفخر الرازي وغيره قال: ذكروا في سبب تحريم الربا وجوها:

أحدها: الربا يقتضي أخذ مال الإنسان من غير عوض، لأن من يبيع الدرهم بالدرهمين نقداً أو نسيئة، فيحصل له زيادة درهم من غير عوض، ومال الإنسان متعلق حاجته، وله حرمة عظيمة، قال عليه الصلاة والسلام: حرمة مال الإنسان كحرمة دمه. فوجب أن يكون أخذ ماله من غير عوض محرماً..

وثانيهما: قال بعضهم: الله تعالى إنما حرم الربا من حيث إنه يمنع الناس عن الاشتغال بالمكاسب، وذلك لأن صاحب الدرهم إذا تمكن بواسطة عقد الربا من تحصيل الدرهم الزائد -نقداً كان أو نسيئة- خف عليه اكتساب وجه المعيشة، فلا يكاد يتحمل مشقة الكسب والتجارة والصناعات الشاقة، وذلك يفضي إلى انقطاع منافع الخلق، ومن المعلوم أن مصالح العالم لا تنتظم إلا بالتجارات والحرف والصناعات والعمارات.

وثالثها: قيل: السبب في تحريم عقد الربا، أنه يفضي إلى انقطاع المعروف بين الناس من القرض..

ورابعها: هو أن الغالب أن المقرض يكون غنياً، والمستقرض يكون فقيراً، فالقول بتجويز عقد الربا تمكين للغني من أن يأخذ من الفقير الضعيف مالاً زائداً، وذلك غير جائز برحمة الرحيم.

وخامسها: أن حرمة الربا قد ثبتت بالنص، ولا يجب أن يكون حكم جميع التكاليف معلومة للخلق، فوجب القطع بحرمة عقد الربا، وإن كنا لا نعلم الوجه فيه.

هذا رد على جميع أسئلتك، وإذا كنت تريدين أن تتمتعي بالحياة فاجتهدي في تحصيل متعة باقية بالوقوف عند الحدود التي حدها الله، ولا تتعجلي فتكوني ممن ورد فيه قول الله تعالى: مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا. (الإسرا: 20).

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني