الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

أنا عمري 20 سنة منذ سنتين أثناء وجودي بالجامعة تعرفت على زميل بالجامعة وعندما صرح لي بالحب ووجدت نفسي أشعر نحوه بنفس الشعور صرحت لأمي بذلك وأنا والدي متوفى وبالفعل كان صادقا معي وتقدم لخطبتي ورغم الصعوبات الكثيرة التي من أهمها طول مدة الخطوبة وافقت أمي وأهله وتمت خطوبتنا وبعد مرور سنة من الخطوبة أصبحت بيننا مشاكل كثيرة وأنا ابتعدت عن الله كثيراً ولم أدرك أنني في بعد شديد عن الله إلا في الفترة التي بعد فيها ذلك الشاب عني، أنا أعرف أن الحب مرض من أمراض القلوب وأريد أن أعرف طريقا إلى الله لكي يملأ حب الله وحده قلبي وأن أنسى حب ذلك الشاب لأنني أشعر أن حبي له سبب بعدي عن الله، مع العلم أنه مازال خطيبي ولا أعرف هل المفروض أن لا أحبه وخاصة أن زواجنا أمامه على الأقل سنة وغير ذلك، أنا لا أعلم حدود التعامل معه، مع العلم أنه ليس متدينا بالقدر الكافي الذي يمنعه من الخطأ أم أنه من الأفضل أن أبتعد عنه نهائيا، أنا لا أعلم ماذا أفعل أنا في حيرة شديدة وقلبي مريض بحب ذلك الشاب أشعر بأنني افتقدت القدرة على التفكير وعلى التمييز بين الصحيح والخطأ، أريد منكم النصيحة ورأي الدين في ذلك الحب وكيف أتقرب إلى الله تعالى؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن المسلم يجب عليه أن يحفظ قلبه من وساوس الشيطان وهوى النفس الأمارة بالسوء، وأن يحفظه أيضاً من التعلق بغير الله سبحانه، وليعلم الشباب والفتيات أن أي علاقة بين فتاة وشاب أجنبي قبل عقد الزواج أمر محرم ولا يجوز التمادي فيه، بل يجب قطعه والتوبة منه إلى الله جل وعلا، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل أن يخلو بامرأة ليس معها محرم، فقال صلى الله عليه وسلم: لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم. متفق عليه.. وذلك لأن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما؛ كما صح في الحديث.

وليس من شك في أن علاقة المرأة بالرجل وما يسمى بـ (الصداقة)، خارج إطار الزواج المشروع تعتبر منكراً من المنكرات، وهي نوع من أنواع الزنا العام -وإن كان لا يوجب الحد- ففي الصحيحين عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنى أدرك ذلك لا محالة، فزنى العينين النظر، وزنى اللسان النطق، والنفس تمنى وتشتهي والفرج يصدق ذلك أو يكذبه.

وليعلم الإنسان أن استمرار هذه العلاقات المحرمة تنتهي بصاحبها إلى داء عضال ومرض قتال، أتعب الأطباء وحير الحكماء ألا وهو العشق، وهذا المرض والعياذ بالله يفتح على صاحبه من المحن والمفاسد ما لا يقدر على صرفه إلا الله، ومن هذه المفاسد: الاشتغال بذكر المخلوق وحبه عن حب الرب تعالى وذكره، وعذاب قلبه بمعشوقه، فإن من أحب شيئاً غير الله عذب به ولا بد، فالعاشق قلبه أسير في قبضة معشوقه يسومه الهوان، ولكن لسكرة العشق لا يشعر بمصابه، ومنها: أنه يشتغل به عن مصالح دينه ودنياه، فليس شيء أضيع لمصالح الدين والدنيا من العشق، أما مصالح الدين فإنها منوطة بلم شعث القلب وإقباله على الله، والعشق أعظم شيء تشتيتاً للقلب، وأما مصالح الدنيا فهي تابعة في الحقيقة لمصالح الدين فمن انفرطت عليه مصالح دينه وضاعت عليه فمصالح دنياه أضيع وأضيع.. والإنسان لا يبتلى بهذا الداء الوبيل إلا بسبب جهله وغفلة قلبه عن الله، فعلى الإنسان المبتلى بهذا أن يعرف توحيد ربه وسننه وآياته أولاً، وليعلم أن مطالعة وتأمل واستشعار ما عند الله من أنواع العقوبات والعذاب العظيم كفيل بأن يكبح جماح النفوس عن الشهوات المباحة، فأحرى ما كان محرماً وسبباً لتلك العقوبات، ففي الحديث: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً، وما تلذذتم بالنساء على الفرش، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله تعالى. رواه أحمد والترمذي والحاكم وصححه الحاكم ووافقه الذهبي والألباني.

فليكثر العبد من النظر والمطالعة في آيات الله تعالى وأسمائه الحسنى وصفاته العلى، ليعرف عظمته وجبروته وانتقامه واطلاعه وعلمه بكل ما يعمله الناس وما يدور في نفوسهم، وهذا يولد استشعار المراقبة.. والحياء من الله تعالى ومهابته وخشيته بالغيب، ثم يأتي من العبادات الظاهرة والباطنة بما يشغل قلبه عن دوام الفكر في العشق والمحبوب، فيحافظ على الصلوات الخمس في أوقاتها، لأن الصلاة هي أكبر سبب معين على ترك الحرام، قال سبحانه: إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ {العنكبوت:45}، ثم الصلاة بالليل والناس نيام، ثم كثرة الصيام فإن الصيام له أثر عجيب في كبح جماح النفس وقمع شهواتها، ويكثر مع ذلك اللجوء والتضرع إلى الله سبحانه في صرف ذلك عنه وأن يرجع بقلبه إليه، ثم عليه بعد ذلك بالذكر الدائم لله سبحانه في كل أوقاته.

ولتعلمي أيتها الأخت أن الخاطب أجنبي عن مخطوبته حتى يعقد عليها فلا يحل له الخلوة بها ولا تقبيلها ولا لمسها، ولا الكلام في أمور الحب وتعلق القلب فضلاً عن أمور المعاشرة الزوجية ونحوها، إلا أنه يجوز التحدث معها إذا دعت إلى ذلك حاجة، إما من وراء حجاب أو في وجود محرم لها أو من خلال الهاتف ونحوه بشرط أن يكون الكلام بالمعروف، ودون خضوع بالقول، أو تلفظ بكلام يأباه الشرع بين الرجل والمرأة الأجنبيين، لأن الخاطب بالنسبة لها كغيره من الرجال الأجانب كما سبق..

وإن ما ننصحك به في هذا المقام هو اختيار الزوج الصالح صاحب الدين الذي يخشى ربه ويخاف عقابه، والذي يكون عوناً لك ولأولادك على ما يقربكم من الله سبحانه، ثم احرصي كل الحرص على أن تكون علاقتك به في فترة الخطوبة مضبوطة بالضوابط الشرعية التي سبق الكلام عنها، ثم بعد ذلك المبادرة إلى الزواج وتعجيله بقدر الإمكان، وللفائدة في الموضوع راجعي الفتاوى ذات الأرقام التالية: 50421، 7391، 9360.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني