الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

التوبة من غيبة الأبوين وشتمهما

السؤال

أُريدُ أن أعرف عن الشتم. شخص كان يشتم الناس من دون علمهم. و الآن هو نادم بشدة. و تاب إلى الله ولكن لا يستطيع طلب السماح منهم. هو لا يستطيع حتى إخبارهم أنه شتمهم( أي سبهم)(منصبهم بالنسبة له عالية)(مناصب عالية لدرجة أن قد يكونا والديه). وهل يمكن أن يصلح الله بينهما يوم القيامة؟ وعلى أن يتسامحا. هو لا يريد أن يخبرهما حتى لا يسخطوا عليه. وهل يمكن أن يغفرها الله القيامة مع سترها عن الوالدين مثلاً ولا يعلمون بها إطلاقاً؟. وأن يعفو عنهُ من ذلك الذنب الشنيع؟. هو الآن يبرهما ويصلح أعماله؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقد حر ّم الله الغيبة ، وصور فاعلها في صورة بشعة ، قال تعالى: .. وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ {الحجرات:12}

وقد عرّف النبي صلى الله عليه وسلم الغيبة ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ؟ قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ، قِيلَ أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ؟ قَالَ إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدْ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ. صحيح مسلم.

وإذا كانت الغيبة للوالدين فهي أشدّ قبحاً، فإن الشرع قد أمر بتوقير الوالدين والإحسان إليهما.

لكن من فضل الله أنه يقبل التوبة من أي ذنب إذا كانت التوبة صادقة واستكملت شروطها، وهي الإقلاع والندم والعزم على عدم العود، لكن الغيبة من الذنوب التي تتعلق بحقوق الآدميين، وهي تحتاج في التوبة منها إلى التحلل من حق الآدمي، بجانب الإقلاع والندم والعزم على عدم العود، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لِأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ قَبْلَ أَنْ لَا يَكُونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ صحيح البخاري.

والأفضل أن يطلب السائل من والديه الصفح والمسامحة عما وقع منه، لكن إذا كان في إخبارهما بذلك ضرر، وإيقاع للعداوة والبغضاء، فلا داعي لذلك ويكفيه أن يستغفر الله عز وجل ويسأله العفو والصفح، ويجتهد في برّ والديه والإحسان إليهما، ويكثر من الأعمال الصالحة والحسنات الماحية، قال تعالى: وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ {هود: 114}

وعليه أن يذكرهما بما فيهما من خير، لا سيما في الموضع الذي سبق أن اغتابهما فيه، وأن يدعو لهما بظهر الغيب ويستغفر لهما، وقد روي في ذلك أحاديث ضعيفة فعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من كفارة الغيبة أن تستغفر لمن اغتبته تقول: اللهم اغفر لنا وله . رواه البيهقي في الدعوات الكبير وقال: في هذا الإسناد ضعف.

واعلم أنك إذا صدقت في التوبة فسوف يسترك الله يوم القيامة ويعفو عنك، فإن التوبة تمحو ما قبلها ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ. رواه ابن ماجة، وحسنه الألباني.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني