الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل الترفع عن الاعتذار عن الأخطاء للآخرين من الكبر

السؤال

سؤالي عن الكبر: في بعض الاحيان أفعل سلوكا خاطئا أو أفعل مشادة مع والدي مثلا . ثم تأتي لي فكرة أن أعتذر حتى وإن كان الآخر أخطأ في حقي فعلي الاعتذار وإلا يكون عندي كبر. وقد أرى في اعتذاري مذلة لي. فهل هذا كبر؟ مع العلم بأن مثل هذا الأمر قد حدث عدة مرات، وأيضا عندي وسواس. فهل يعتبر هذا وسواسا؟ مع رجاء إيضاح معنى الكبر اصطلاحا وشرعا؟ وجزيت خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالكبر قد عرفه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ. رواه مسلم.

قال النووي في شرح صحيح مسلم: وَأَمَّا بَطْر الْحَقِّ فَهُوَ دَفْعه وَإِنْكَاره تَرَفُّعًا وَتَجَبُّرًا. وَقَوْله: وَغَمْط النَّاسِ مَعْنَاهُ اِحْتِقَارهمْ. انتهى.

وبناء على تعريف الكبر المذكور نقول: أما الوالدان فلا بد من الاعتذار لهما دائما وأبدا وإن أخطأوا في حقك، ويتأكد طلب الصفح منهما والتودد والاعتذار لهما إن كنت مخطئا، وإذا لم تفعل فيعتبر هذا نوعا من العقوق والتكبر، فقد أمر الله بالتذلل لهما وطلب رضاهما فقال: وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً. {الإسراء:24}.

وأما غير الوالدين فإن أخطأت في حقه وترفعت عن الاعتذار، ورأيت أن رجوعك للحق واعترافك بالخطأ مذلة فهذا نوع من الكبر، ويجب عليك أن تترفع عنه، وأن تتواضع للحق وتنقاد له، وأن تتحلل من أخطأت في حقه وتطلب منه العفو؛ فإن من شروط التوبة الصحيحة التحلل من مظالم العباد كما بينا في الفتوى رقم: 2094.

وأما تركك للاعتذار لمن كان مخطئا في حقك فلا يعد من الكبر، ولكن يستحب لك العفو عمن ظلمك أو أساء إليك إذا لم يكن معروفا بالشر وإدمان الإساءة، فقد رغب الله في العفو ومدح العافين فقال: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ. {آل عمران: 133-134}. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ. رواه مسلم.

فالعبد يزداد بالعفو عزا لا كما يوسوس الشيطان بأن العفو مذلة، فوطن نفسك على العفو والتواضع والانقياد للحق حتى تبرأ من الكبر، ويعزك الله في الدنيا والآخرة، وراجع للفائدة وسائل دفع داء الكبر عن القلب في الفتوى رقم: 58992. والفرق بين الكبر وعزة النفس في الفتوى رقم: 74593.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني