الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لم يثبت حديث في النهي عن إيذاء الجار برائحة الطعام

السؤال

هل يمكنكم أن تدلوني على الأحاديث الواردة في من آذى جاره برائحة شوائه؟ وهل يستحب أكلها بعد ذلك؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فأذى الجار من كبائر الذنوب كما بينا في الفتوى رقم: 60282. فراجعها.

وأما عن الأحاديث الواردة في أذى الجار فهي كثيرة، لا تحيط بها هذه الفتوى، وسنذكر منها بعض ما تيسر ونحيلكم على المراجع والكتب التي تضمنت تلك الأحاديث، ومن هذه الأحاديث: حديث أَبِي هُرَيْرَةَ عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يُؤْذِي جَارَهُ. رواه البخاري ومسلم. وعَنْه أيضا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ. رواه مسلم. والبوائق هي الدواهي والشرور.

وقَالَ الْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ: مَا تَقُولُونَ فِي الزِّنَا؟ قَالُوا: حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ فَهُوَ حَرَامٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ: لَأَنْ يَزْنِيَ الرَّجُلُ بِعَشْرَةِ نِسْوَةٍ أَيْسَرُ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَزْنِيَ بامْرَأَةِ جَارِهِ، قَالَ: فَقَالَ: مَا تَقُولُونَ فِي السَّرِقَةِ؟ قَالُوا: حَرَّمَهَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ فَهِيَ حَرَامٌ، قَالَ: لَأَنْ يَسْرِقَ الرَّجُلُ مِنْ عَشْرَةِ أَبْيَاتٍ أَيْسَرُ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَسْرِقَ مِنْ جَارِهِ. رواه الإمام أحمد وصححه الألباني.

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ كَثْرَةِ صَلَاتِهَا وَصِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا غَيْرَ أَنَّهَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا قَالَ: هِيَ فِي النَّارِ، قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: فَإِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ قِلَّةِ صِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا وَصَلَاتِهَا وَإِنَّهَا تَصَدَّقُ بِالْأَثْوَارِ مِنْ الْأَقِطِ وَلَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا قَالَ: هِيَ فِي الْجَنَّةِ. رواه أحمد وصححه ابن حبان والمنذري والألباني.

ووردت أحاديث كثيرة أيضا في لزوم تعاهد الجيران بالطعام ونحو ذلك لاسيما إن كانوا محتاجين، ومن ذلك: حديث أَنَس بن مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا آمَنَ بِي مَنْ بَاتَ شَبْعَان وَجَارُهُ جَائِعٌ إِلَى جَنْبِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ بِهِ. رواه الطبراني في الكبير وحسنه المنذري وصححه الألباني.

وفي صحيح مسلم عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا أَبَا ذَرٍّ إِذَا طَبَخْتَ مَرَقَةً فَأَكْثِرْ مَاءَهَا وَتَعَاهَدْ جِيرَانَكَ.

وأما ما ذكر في السؤال من رائحة الشواء، فلم نقف على حديث فيه ذلك، ولعل السائل يقصد: إذا شم جاره رائحة شوائه أو طعامه ولم يعط له منه، وقد وردت أحاديث فيها هذا المعنى ولكنها لا تصح ومنها: حديث طويل في بيان حق الجار وفيه: وَلَا تؤذه بِقُتَارِ – أي: رائحة- قدرك إِلَّا أَن تغرف لَهُ مِنْهَا، وَإِن اشْتريت فَاكِهَة فأهد لَهُ. إلخ الحديث. أخرجه ابن عدي في الكامل، والبيهقي في شعب الإيمان. وقال ابن القطان: وَهَذَا حَدِيث مُنكر، وَإِسْنَاده ضَعِيف لَا يعول عَلَيْهِ. اهـ. وكذا قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم والبيهقي في شعب الإيمان.

وما ورد من إطعام الجار من طعامك هو على سبيل الاستحباب، إلا إذا كانوا لا يملكون القوت الضروري ولم يكن لهم ما يعينهم فيجب على الجار إن كان عالما بحالهم ويستطيع مساعدتهم أن يواسيهم من طعامه.

وأما ما شموا رائحته ولم تعطهم منه مع عدم اضطرارهم فلا يكره أكله؛ إذ الكراهة حكم شرعي لا يثبت إلا بدليل، والحديث الوارد في هذا سبق أنه ضعيف. والله أعلم.

وللاستزادة حول ما ورد من أحاديث في تحريم أذى الجار ننصح السائل بالرجوع للكتب التالية:

صحيح البخاري كتاب الأدب: باب الوصية بالجار، صحيح مسلم كتاب الإيمان: باب، بيان تحريم إيذاء الجار، جامع الأصول في أحاديث الرسول لابن الأثير الفصل الرابع عشر: في حفظ الجار. الترغيب والترهيب للحافظ المنذري، باب الترهيب من أذى الجار وما جاء في تأكيد حقه، كتاب شعب الإيمان للبيهقي، السابع و الستون من شعب الإيمان و هو باب في إكرام الجار. وغيرها من كتب السنة.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني