الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حرمة الغيبة وتتبع عورات المسلمين وإيذائهم

السؤال

إخوتي الأفاضل أريد توضيح قذف المحصنات المؤمنات: هل إذا سمعت عن فتاة أنها أقامت علاقة محرمة مع شاب وأنه توجد شكوك أنه حصل زنا بينهم، أو شيء من هذا القبيل وقمت بإخبار إحدى صديقاتي بتلك الأخبار أنني أثمت وأنني قمت بقذف هذه الفتاة وأنني لن أدخل الجنة لأنه يعد من الموبقات السبع التي حرمها الله تعالى ومهما عملت وندمت وأديت الحج لن يغفر الله لي؟
وهل إذا كانت هذه الفتاة هي نفسها من اعترفت بذلك لصديقتي أو لي شخصيا، وأمر فتاة أخرى يوجد شكوك في سلوكها والكل يتكلم عنها وعن تصرفاتها ومن ضمنها علاقات مع شباب، وسمعت مثل باقي الناس وتناقشت بموضوعها في جلسات مع الأهل والأصدقاء هل هذا يعد قذفا لهذه الفتاة؟ وهل لو قمت بمواجهتها وسؤالها عن صحة هذه الأقاويل أعد آثمة مع أنني حقيقة واجهت تلك الفتاة وقلت لها إن الناس يتكلمون عنها وإنهم متأكدون أنها تعمل المنكر أي علاقات مع شباب لدرجة النوم، ونصحتها ولكنها أنكرت ذلك ولم تعترف لي أن هذا الكلام صحيح ولكن عندما أناقشها لا أرى انفعالا على وجهها أو ألمس أنها مظلومة فأضغط عليها وأسمعها كلاما قاسيا حتى تعترف لي ولكن دون جدوى. فهل أأثم على ذلك؟ وجزاكم الله كل خير.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقبل الإجابة على سؤالك نقول: على المسلم ذكرا كان أو أنثي الإعراض عما لا يفيد من الأقوال والأفعال، وأن يعلم أن كلامه من عمله فسيجد في صحيفة أعماله يوم القيامة ما نطق به من خير وشر، ويحرم عليه الخوض في أعراض المسلمين وتتبع عوراتهم والتنقيب عن مساوئهم ويجتنب المجالس المشتملة على اللغو والكلام المحرم من الحديث في أعراض المسلمين وإشاعة الفاحشة والطعن في الأعراض مع نصح من يقوم بمثل هذه الأمور المحرمة.

وبخصوص سؤالك فأنت آثمة بإخبار صديقتك بشأن تلك العلاقة المحرمة المستندة إلى إشاعات، ولا يعتبر ما وقعت فيه قذفا يترتب عليه الحد الشرعي بل غيبة محرمة كما تقدم في الفتوى رقم: 126969، والفتوى رقم: 30061.

وعموما فقد ثبت التحذير من حكاية الحديث بمجرد سماعه دون التأكد من صحته بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: كفي بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع. رواه الإمام مسلم في صحيحه.

ودخول الجنة من أمور الغيب التي لا يمكن القطع به لشخص معين إلا بدليل من كتاب أو سنة صحيحة كما سبق في الفتوى رقم: 4625.

ولا يسقط عنك الإثم باعتراف الفتاة نفسها لصديقتك بما حصل، فأنت قد وقعت في عرضها وكان الأجدر بك الستر عليها ولو تحققت من وقوعها في الفاحشة، والفتاة الأخرى أيضا لا يعتبر الخوض في عرضها مع الخائضين وتبادل الإشاعات في شأنها قذفا بل هو غيبة كما تقدم.

وكان الأجدر بك البعد عن الخوض في تلك الأمور ونصح مَن يخوض فيها من الأهل وغيرهم، فإن عجزت أو لم تفد النصيحة فلتنصرفي عن ذلك المجلس.

قال الإمام النووي في رياض الصالحين: باب تحريم سماع الغيبة وأمر من سمع غيبةً مُحرَّمةً بِرَدِّها والإنكارِ عَلَى قائلها فإنْ عجز أَوْ لَمْ يقبل منه فارق ذلك المجلس إن أمكنه. انتهى.

كما تأثمين أيضا بمواجهة تلك الفتاة وسؤالها عن حقيقة أمرها فذلك من كشف عورات المسلين وتتبعها، كما تأثمين بإسماعها كلاما قاسيا لتعترف بما أشيع عنها فهذا من الأذى في حقها وهو أمر محرم بلا شك بدليل قوله صلى الله عليه وسلم كما جاء في سنن الترمذي عن ابن عمر قال: صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر فنادى بصوت رفيع فقال يا معشر من قد أسلم بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه لا تؤذوا المسلمين ولا تعيروهم ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله.

قال: ونظر ابن عمر يوما إلى البيت أو إلى الكعبة فقال: ما أعظمك وأعظم حرمتك والمؤمن أعظم حرمة عند الله منك.

وقال الشيخ الألباني: حسن صحيح.

إضافة إلى إقدامك على السؤال والاهتمام بما لا يعنيك ولا يفيدك فلست مطالبة بالتحقيق مع تلك الفتاة ولا أخذ إقرارها.

وعليه فننصحك بالتوبة إلى الله تعالى فورا والإكثار من الاستغفار مع البعد عن الخوض في أعراض المسلمين وطلب السماح من تلك الفتاة عما أقدمت عليه تجاهها من هتك عرض وتتبع عورة وأذى بالكلام إلى غير ذلك.

وعلى أية حال فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له كما في الحديث الشريف، فاصدقي وأخلصي التوبة لله.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني