الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

صفات الكمال البشري اجتمعت في سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم

السؤال

هل صحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم إنسان كامل؟ وكيف يكون الرسول صلى الله عليه وسلم كاملا وقد عاتبه الله في بداية سورة عبس؟.
أرجو الاجابة، لأن هذا السؤال حيرني كثيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن الرسول صلى الله عليه وسلم بلغ أقصى غاية الكمال البشري فهو أتقى البشر وأعلمهم بالله، كما في حديث البخاري: إن أتقاكم وأعلمكم بالله لأنا.

وقد وصفه أنس في حديث الصحيحين بقوله: كان أحسنَ الناس وأشجعَ الناس وأجودَ الناس.

وقد زكى الله أخلاقه صلى الله عليه وسلم في قوله: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ {القلم: 5}.

وقال صاحب كتاب إقامة الحجة على العالمين بنبوة خاتم النبيين: كل من قرأ سيرة محمد وأخباره وأيامه من الباحثين المنصفين غير المسلمين أجمعوا على أن هذا الرجل قد اجتمعت فيه كل صفات الكمال البشري من حسن الخلق ورجاحة العقل وسلامة الفطرة ورقة الطبع والشجاعة وبلاغة اللسان.

هذا الفيلسوف الإنجليزي توماس كارليل ـ الحائز على جائزة نوبل ـ يقول في كتابه الأبطال: وقد رأيناه طول حياته راسخ المبدإ، صادق العزم بعيداً، كريماً بَرًّا، رؤوفاً تقياً، فاضلاً حراً، رجلاً، شديد الجد، مخلصاً، وهو مع ذلك سهل الجانب، ليِّن العريكة، جم البشر والطلاقة، حميد العشرة، حلو الإيناس، بل ربما مازح وداعب، وكان ـ على العموم ـ تضيء وجهه ابتسامةٌ مشرقة من فؤاد صادق، لأن من الناس من تكون ابتسامته كاذبة ككذب أعماله وأقواله.

ويقول: كان عادلاً صادق النية، كان ذكي اللب، شهم الفؤاد، لوذعياً، كأنما بين جنبيه مصابيح كل ليل بهيم ممتلئاً نوراً، رجلاً عظيماً بفطرته، لم تثقفه مدرسة ولا هذبه معلم، وهو غني عن ذلك. هـ.

وأما آيات عبس: فقد قال ابن هشام في سيرته مبينا سبب نزولها: ووقف الوليد بن المغيرة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم يكلمه ـ وقد طمع في إسلامه ـ فبينا هو في ذلك إذ مر به ابن أم مكتوم ـ الأعمى ـ فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعل يستقرئه القرآن فشق ذلك منه على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أضجره، وذلك أنه شغله عما كان فيه من أمر الوليد وما طمع فيه من إسلامه فلما أكثر عليه انصرف عنه عابسا وتركه، فأنزل الله تعالى فيه: عبس وتولى أن جاءه الأعمى ـ إلى قوله تعالى: في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة.

أي إنما بعثتك بشيرا ونذيرا، لم أخص بك أحدا دون أحد، فلا تمنعه ممن ابتغاه، ولا تتصدين به لمن لا يريده. هـ.

وقد ذكر بعض أهل العلم أن هذا التصرف من النبي صلى الله عليه وسلم حصل اجتهادا منه بسبب حرصه على هداية الوليد، وأن هذا التصرف لم يقع فيه تلفظ بما يسيء لابن أم مكتوم، وإنما كان منه كراهية لمجيء ابن أم مكتوم في هذا الوقت، وقد حصل بسببها مجرد تصرف انفعالي تظهر ملامحه على الوجه ولا يراه الأعمى، ومع ذلك لم يقره الله تعالى، بل أدبه في ذلك الشأن بالآيات الكريمة السابقة فظهر بذلك رعاية الله لنبيه صلى الله عليه وسلم وتسديده له.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني