الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

فضيلة إخفاء العمل الصالح

السؤال

أشرف على بعض المواقع النسائية، و سؤالي عن موضوع عنوانه: مسابقة في الذكر: وفيها 3 مراحلفي ال3 أيام الأولى تنظر الأخوات من تأتي بأكبر عدد من الاستغفاروفي 3 أيام التالية ننظر من تأتي بأكبر عدد من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.وفي ال3 أيام الاخيرة نرى من التي زرعت أكبر عدد من النخيل و يقصد به التسبيح. فهل في هذا الموضوع شيء؟أفيدوني بارك الله فيكم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالتنافس في الخيرات أمر مرغوب، والتعاون على البر والتقوى أمر مطلوب، فإن كان المقصد من إخبار الشخص بما يقوم به من عبادة إنما هو التحدث بنعم الله والتعاون على البر والتقوى والتشجيع على ذلك، فالظاهر أنه لا حرج فيه على من يأمن على نفسه الرياء والعجب، وأما من لا يأمن ذلك على نفسه فلا يخبر، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 76325.

والذي ننصح به هو أن يكون الترغيب في الذكر والتشجيع عليه بغير هذه الطريقة المذكورة في السؤال، فإنه لا يخفى أن أكثر الناس لا يؤمَن عليهم الرياء والتسميع، لضعف النفوس وخفاء داء الرياء ومسالكه، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أيها الناس اتقوا هذا الشرك فإنه أخفى من دبيب النمل. رواه أحمد. وحسنه الألباني.

ومن جهة أخرى فإن الله تعالى رغب في الذكر الخفي الذي لا يجهر به، فقال: وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ. {الأعراف: 205}.

وقال سبحانه: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ.{الأعراف: 55}.

قال السعدي: { وَخُفْيَةً } أي: لا جهرا وعلانية يخاف منه الرياء، بل خفية وإخلاصا للّه تعالى. اهـ.

وقال ابن كثير: عن ابن عباس في قوله: { تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً } قال: السر. وقال ابن جرير: { وَخُفْيَة } يقول: بخشوع قلوبكم وصحة اليقين بوحدانيته وربوبيته فيما بينكم وبينه لا جهارا ومراءاة. وعن الحسن قال: إنْ كانَ الرجل لقد جمع القرآن وما يشعر به الناس، وإن كان الرجل لقد فقُه الفقه الكثير وما يشعر به الناس. وإن كان الرجل ليصلي الصلاة الطويلة في بيته وعنده الزُّوَّر وما يشعرون به، ولقد أدركنا أقوامًا ما كان على الأرض من عمل يقدرون أن يعملوه في السر فيكون علانية أبدا، ولقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء وما يُسمع لهم صوت، إن كان إلا همسا بينهم وبين ربهم، وذلك أن الله تعالى يقول: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً }. وذلك أن الله ذكر عبدًا صالحا رَضِي فعله فقال: {إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا }. اهـ.

وقال الشوكاني في (فتح القدير): الخفية: الإسرار به؛ فإن ذلك أقطع لعرق الرياء وأحسم لباب ما يخالف الإخلاص. اهـ.

وقال الشنقيطي في (أضواء البيان) بعد أن بين فضيلة الإخفاء: إنما كان الإخفاء أفضل من الإظهار لأنه أقرب إلى الإخلاص، وأبعد من الرياء. اهـ.

وعلى ذلك نص جماعة من المفسرين كالثعالبي والقرطبي وأبي حيان والرازي والنيسابوري.

ومما استفاده ابن العربي من هذا الآية في (أحكام القرآن) قوله: الأصل في الأعمال الفرضية الجهر، والأصل في الأعمال النفلية السر، وذلك لما يتطرق إلى النفل من الرياء والتظاهر بها في الدنيا والتفاخر على الأصحاب بالأعمال وجبلت قلوب الخلق بالميل إلى أهل الطاعة. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني