الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الأصل الظن الحسن بالمسلمين

السؤال

إنني خائف من أمر حصل لي أرجو بيان حكم الشرع: حيث إنني ومنذ سنوات يكمن في داخلي شك في زوجتي من أن لها علاقة مع شقيقي لما أرى منها من حسن التصرف مع شقيقي هذا من زيادة المودة له والخدمة العالية عند ما يكون في بيتنا والمزاح الزائد معه، وقبل حوالي عشرين سنة عاش معنا يبيت ويصبح عندنا وهذا قبل زواجه، وأحيانا يبيت في الدار وليس معه سوى زوجتي وأطفالي الاثنين مني، وبعد زواجه أي في منتصف التسعينات أصبح يعمل إماما وخطيبا حسبة لله في أحد المساجد في حينا والحمد لله أنه على المنهج الصحيح وإني أحبه حبا خالصا لما لنهجه من تأثير في مجتمعنا إلا أنني ما زلت أنظر إلى الأيام السابقة بشك في علاقته مع زوجتي، ولا أستطيع أن أصارحه بما عندي من الشك، وقبل أيام حدث شجار بيني وبين زوجتي شديد لحد أنها قالت لي: ما بك أرى أن عندك شيئا علي فقررت أن أصارحها بما يكمن في داخلي من الشك فقلت لها لا أرضى عليك إلا أن تصارحيني وتحلفي بأن تضعي يدك على القرآن وتحلفي لي أن أولادي هؤلاء السبعة هم مني وأنك لم تخونيني طوال عشرتنا منذ (25) سنة مما جعلها تتفاجأ وتزداد المشكلة تعقيدا حيث إنها انكبت على وجهها تبكي وتندب حظها، وتقول لي لا أبقى عندك هكذا أنت تشك بي أين صلاتك وأين عبادتك؟ وتقول لماذا أنا أصلي إذا وبقيت مصرا على أداء اليمين إلى أن ذهبت وتوضأت ووضعت يدها على المصحف وقالت بأن هؤلاء الأولاد كلهم منك وإنها لم تخني وهي في هذا الموقف تبكي. بعدها شعرت أنني قد ظلمتها وندمت وقلت لها إنك بيمينك هذا قد أزحت الشكوك مني وبدأت أعتذر لها وأقول لها سامحيني إلا أنها ترفض أن تسامحني وتقول لي أوقفك أمام العلي الكبير وأحاسبك.
ماذا علي أن أفعله حيث كل الذي حصل خارج عن إرادتي وهي السبب في حصوله لأنها بتصرفاتها مع شقيقي جلبت لي كل هذه الشكوك، إني خائف من عاقبة شكوكي أقرأ الحديث الحمو الموت وتزداد شكوكي. جزاكم الله خيراً أرشدوني ماذا أفعل؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فما حدث منك من شك في زوجتك حملك على إيذائها، وطلب الحلف منها على عدم الخيانة أمر لا يجوز، لأن الأصل في المسلم الصيانة والسلامة ومن حقه ألا يظن به إلا الخير، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 117791.

وهذه الشكوك التي تجول في نفسك وتتردد في صدرك لا تبرر لك هذا الذي فعلت لأنك أنت السبب فيها وأنت وحدك من أدخلتها على قلبك وأعنت الشيطان على نفسك، وقد يكون هذا عقوبة من الله سبحانه لك على تفريطك في صيانة زوجتك وتركها تبيت بمفردها مع أخيك وهذا حرام لا يجوز لأنه من الخلوة التي نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم. متفق عليه. ولقوله صلى الله عليه وسلم أيضاً: ما خلا رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان. رواه الترمذي وأحمد.

وقد جاء تحذيره صلى الله عليه وسلم من أقارب الزوج على وجه الخصوص وذلك في قوله: إياكم والدخول على النساء، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت. متفق عليه.

قال النووي: المراد في الحديث أقارب الزوج غير آبائه وأبنائه، لأنهم محارم للزوجة يجوز لهم الخلوة بها ولا يوصفون بالموت.. قال وإنما المراد الأخ وابن الأخ والعم وابن العم وابن الأخت ونحوهم مما يحل لها تزويجه لو لم تكن متزوجة، وجرت العادة بالتساهل فيه فيخلو الأخ بامرأة أخيه فشبهة بالموت وهو أولى بالمنع من الأجنبي. انتهى.

والأطفال الصغار لا تنتفي بهم الخلوة.

قال النووي رحمه الله: وأما إذا خلا الأجنبي بالأجنبية من غير ثالث معهما فهو حرام باتفاق العلماء، وكذا لو كان معهما من لا يستحيى منه لصغره كابن سنتين وثلاث ونحو ذلك فإن وجوده كالعدم. انتهى كلامه.

ثم إنك لم تكتف بما كان منك من ذلك حتى تترك زوجتك تستقبل -بعد ذلك- أخاك بحفاوة وتنبسط في معاملته وتكثر من ممازحته وهذا أيضاً لا يجوز وهو ذريعة قوية إلى الفساد والشر لأن أخاك أجنبي عن زوجتك وهي كذلك أجنبية عنه، ولا يجوز الحديث مع الأجنبية -خصوصاً الشابة- إلا لضرورة أو حاجة وفي حدود الضوابط الشرعية من غض البصر وترك الخلوة وعدم الخضوع بالقول والتزام الحجاب الشرعي والاقتصار على قدر الضرورة والحاجة، وقد بينا هذا في الفتوى رقم: 3672.

فالذي ننصحك به الآن هو أن تبادر إلى التوبة إلى الله جل وعلا من هذا التفريط وأن تسارع إلى حفظ زوجتك وإلزامها بالحجاب الشرعي بحيث لا تظهر إلا على محارمها فقط، واعلم أن أخاك هذا أجنبي عنها كما بينا، فلا يراها إلا وهي في لباسها الشرعي ولا يجوز له أن يختلي بها ولا أن ينبسط معها في المعاملة، وإلزام زوجتك بهذا واجب متحتم عليك والتفريط فيه يعرضك لعقاب الله وغضبه لأن الله قد أمرك بصيانة أهل بيتك وإبعادهم عما يعود عليهم بالضرر في دينهم ودنياهم، فقال سبحانه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ. {التحريم:6}.

قال القرطبي رحمه الله تعالى: فعلى الرجل أن يصلح نفسه بالطاعة، ويصلح أهله إصلاح الراعي للرعية، ففي صحيح الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام الذي على الناس راع وهو مسؤول عنهم، والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عنهم. وعن هذا عبر الحسن في هذه الآية بقوله: يأمرهم وينهاهم. انتهى.

أما عن هذه الوساوس فعليك أن تصرفها عن قلبك وخاطرك فإن هذا من كيد الشيطان يبغي من وراء ذلك أن يفسد بينك وبين زوجتك من ناحية، وبينك وبين أخيك من ناحية أخرى. فاستعذ بالله من كيده وشره.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني