الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

رواية الحكايات المنسوبة لجحا هل تعتبر من الغيبة

السؤال

هل شخصية جحا حقيقة وهل هو من التابعين؟ وهل يجوز قول النكت عنه وما شابه؟فقد لقيت في أحد المواقع ما نصه: " ذكر أن أحد الأفاضل قال لي: إنه يتوقع أن جحا من أهل الجنة، فقلت له: ولم؟ قال: لم يبق أحد من الناس إلا وقد اغتابه وأعطاه شيئا من حسناته !! تأملت في عبارته كثيراً ودفعتني للبحث عن هذه الشخصية التي لطالما أثارت الجدل والأقاويل، ثم لما تبين لي أمره رأيت انطلاقاً من قوله صلى الله عليه وسلم: " من ردّ عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة " رواه أحمد والترمذي ، وحفاظاً على مكانة من عُرف بالإسلام والصلاح، وإدراك القرون المفضلة أن أعرّف الناس به ، ليحفظوا عرضه ويكفّوا عن ذكره بما لا يليق بمكانته. أقول : إن ( جحا ) ليس أسطورة ، بل هو حقيقة، واسمه ( دُجين بن ثابت الفزاري رحمه الله )، أدرك ورأى أنس بن مالك رضي الله عنه ، وروى عن أسلم مولى عمر بن الخطاب، وهشام بن عروة، وعبد الله بن المبارك، وآخرين. قال الشيرازي: جُحا لقب له ، وكان ظريفاً، والذي يقال فيه مكذوب عليه. قال الحافظ ابن عساكر: عاش أكثر من مائة سنه. وهذا كله تجده مسطوراً في كتاب "عيون التواريخ" لابن شاكر الكتبي ( ص 373 وما بعدها). وفي ميزان الاعتدال للذهبي (المجلد الأول، ص 326) ما نصه: جُحا هو تابعي، وكانت أمه خادمة لأنس بن مالك، وكان الغالب عليه السماحة، وصفاء السريرة، فلا ينبغي لأحد أن يسخر به إذا سمع ما يضاف إليه من الحكايات المضحكة،. وقال الجلال السيوطي: وغالب ما يذكر عنه من الحكايات لا أصل له. ونقل الذهبي أيضاً في ترجمته له: قال عباد بن صهيب : حدثنا أبو الغصن جُحا – وما رأيت ً أعقل منه - . وقال عنه أيضاً : لعله كان يمزح أيام الشبيبة ، فلما شاخ ، أقبل على شأنه ، وأخذ عنه المُحدثون . وقال الحافظ ابن الجوزي - رحمه الله - :" ... و منهم ( جُحا ) و يُكنى أبا الغصن، و قد روي عنه ما يدل على فطنةٍٍ و ذكاء، إلا أن الغالب عليه التَّغفيل، و قد قيل: إنَّ بعض من كان يعاديه وضع له حكايات .. و الله أعلم ..وأيّاً كان الأمر : فإن كان جحا صالحاً وأدرك بعض الصحابة ويخرج بهذه الصورة فهذا منكرٌ وجرمٌ كبير ..وإن كان من عامة المسلمين فلماذا الكلام فيه، والكذب عليه، وتصويره بصورة خيالية ؟ كيف وهو متوفى ؟وقد جاء في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم: اذكروا محاسن موتاكم وكفوا عن مساويهم. رواه الترمذي .وهذه دعوة للجميع بالحرص والدقة والتأمّل فيما يُسمع أويُقال، وفي الحديث: " كفى بالمرء كذباً (وفي رواية إثماً) أن يُحدّث بكل ماسمع".

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فشكر الله للسائل الكريم غيرته على حدود الله، وسعيه في حفظ المسلمين أحياءً وأمواتا.

ولا شك أن غيبة المسلم من المحرمات بل من الكبائر. ولكن البحث هنا ليس في حكم الغيبة، وإنما في كون مثل هذه الحكايات المنسوبة لجحا، هل تعتبر غيبة أم لا ؟ والجواب أن ذلك لا يدخل في المسمى الشرعي للغيبة، وذلك لسببين:

ـ الأول: أن شخصية جحا في عصرنا وقبل عصرنا إنما هي شخصية اعتبارية، بمعنى أن من يذكره أو يسمعه لا يعني من قريب ولا من بعيد: دجين بن ثابت ولا غيره ممن قيل إنه جحا المعروف بنوادره. وقد نص أهل العلم على أن الغيبة لا تكون إلا لشخص أو أناس معلومين أو مبهمين يعلم المخاطب أعيانهم فيحصل بذلك انتهاك أعراضهم.

ـ الثاني: أن المحققين من أهل العلم قد غايروا بين دجين بن ثابت التابعي وبين جحا صاحب النوادر. وقد سبق بيان ذلك في الفتويين: 79004، 18728.

ثم ننبه السائل على أن عبد الله بن المبارك هو الذي روى عن دجين بن ثابت، لا العكس.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني