الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

موقف الوارث إذا امتنع سائر الورثة عن قضاء دين المورث

السؤال

توفي والدي وبذمته دين -قرض- على أرض فلاحية، وبعد وفاته لم يتفق إخوتي على تسديد الدين وهم بصدد استغلال هذه الأرض و منتوجها و السكن فيها، وبعد عدة محاولات معهم لا زالوا مختلفين فقررت أن لا أستغل منتوجها و أرفض كل ما ينتج منه. فما حكم ذلك لي أنا وهل يجوز لي ذلك؟ وهل الإثم على إخوتي أم على والدي رحمه الله و ماذا تنصحني بفعله؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فلا شك أن قضاء دين الميت من تركته مقدم على قسمتها على ورثته.

جاء في (الموسوعة الفقهية): لا خلاف بين الفقهاء في أن الحقوق المتعلقة بالتركة ليست على مرتبة واحدة، وأن بعضها مقدم على بعض، فيقدم من حيث الجملة: تجهيز الميت وتكفينه، ثم أداء الدين، ثم تنفيذ وصاياه، والباقي للورثة. اهـ.

فإن قسم الورثة التركة بينهم دون قضاء دين مورثهم، فقد تعدوا على حق مورثهم وغرمائه.

جاء في (الموسوعة الفقهية): ذهب الحنفية والمالكية إلى أن التركة المستغرقة بالدين تبقى على ملك المورث، أو هي في حكم ملكه؛ لأن الدين يشغلها جميعا. أما غير المستغرقة فإنها تنتقل إلى ملك الوارث من حين وفاة المورث أو ينتقل الجزء الفارغ من الدين، ومن ثم لا يجوز للورثة اقتسام التركة ما دامت مشغولة بالدين، وذلك لأن ملكهم لا يظهر إلا بعد قضاء الدين؛ لقوله تعالى: { من بعد وصية يوصي بها أو دين } فإذا قسموها نقضت قسمتهم حفظا لحق الدائنين؛ لأنهم قسموا ما لا يملكون اهـ.

وأما مسألة رفض السائل لما تنتجه الأرض الموروثة حتى يُقضى دين أبيه، فهو عين الصواب، إذا كان ذلك سيضطر بقية الورثة إلى قضاء هذا الدين، وأما إن كان ذلك لن يزيدهم إلا طمعا وظلما، فالصواب أن تأخذ ذلك، لا لتملكه، وإنما لتقضي به جزءاً من دين أبيك.

وأما مسألة تبعة هذا الدين، وهل هي على المتوفى أم على ورثته ؟ فلا شك أن الورثة يأثمون إن قسموا التركة دون قضاء دين ميتهم. وأما ذمة الميت نفسه فهي بريئة ما دام قد ترك لدينه وفاءاً من أرض أو عقار أو أي نوع من أنواع المال، ولم يكن قد قصر في أداء دين حلَّ عليه قبل موته.

ثم ننبه على أن هذا الدين إن كان مؤجلا، ولم يحن أجله عند قسمة التركة، فقد اختلف أهل العلم: هل يحلُّ بالموت أم لا ؟ والذي عليه جمهور أهل العلم أنه يلزم المبادرة بقضائه كالديون الحالّة، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 128435.

والذي ننصح به السائل هو أن يبادر برفع الأمر إلى القضاء الشرعي، ليلزم الورثة بقضاء دين مورثهم.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني