الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

علامة سوء الظن والفرق بينه وبين الوسوسة وكيفية التوبة منه

السؤال

لقد كنت أسيء الظن كثيرا في الماضي، ولكني تبت إلى الله فهل تكفي التوبة أم يجب علي أن أطلب السماح ممن أسأت بهم الظن؟ لقد شككت في رجل صالح أنه لا يصلي حتى أختي قد ظننت أنها لا تصلي أو أني ظننت أنها متهاونة في الصلاة وكثير وغيره .هل تكفي التوبة من سوء ظني ؟ وما حكم من قرأ أو سمع شيئا بشكل خاظئ أو شم رائحة دخان سجائر وهو أصلاً لم يشم ولكن تهيأ له أو شيء من هذا القبيل فظن ؟ وهل إذا قال شخص أنه سيكذب فظننت أنه سيفعلها يعتبر من سوء الظن ؟ كيف أعرف أني وقعت في سوء الظن أعرف أن ترجيح جانب الشر على الخير لكن كيف أعرف أنه ليس حديث نفس أو أنها وساوس؟ وهل يجب علي أن أطلب السماح ممن أسأت بهم الظن لأن هذا موقف صعب؟ ماذا لو كان رجل ليس بمحرم وهو الذي ظننت أنه لا يصلي وحتى لو كان محرما أو أختي هل يجوز لي أن لا أطلب السماح منهم ؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فسوء الظن بالمسلمين محرم لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ. { الحجرات:12 } وهو يحمل على شرور كثيرة كالتجسس والغيبة وغير ذلك.

قال أبو حامد في الإحياء: ومن أبوابه سوء الظن بالمسلمين قال الله تعالى { يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم } فمن يحكم بشر على غيره بالظن بعثه الشيطان على أن يطول فيه اللسان بالغيبة فيهلك، أو يقصر في القيام بحقوقه أو يتوانى في إكرامه وينظر إليه بعين الاحتقار ويرى نفسه خيرا منه وكل ذلك من المهلكات. انتهى.

وقال صلى الله عليه وسلم: إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث. متفق عليه.

وقد بين الفقيه ابن حجر المكي رحمه الله علامة سوء الظن وأنه لا تدخل فيه الخواطر والوساوس بل هي معفو عنها وأوضح الفرق بين الخواطر وسوء الظن.

فقال في الزواجر عن اقتراف الكبائر: اعلم أن سوء الظن حرام مثل سوء القول ولست أعني به إلا عقد القلب وحكمه على غيره بالسوء، فأما الخواطر وحديث النفس فهو معفو عنه بل الشك أيضا معفو عنه ولكن المنهي عنه أن تظن والظن عبارة عما تركن إليه النفس ويميل إليه القلب. قال الله تعالى: اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم. وسبب تحريمه أن أسرار القلوب لا يعلمها إلا علام الغيوب فليس لك أن تعتقد في غيرك سوء إلا إذا انكشف لك بعبارة لا تحتمل التأويل، فعند ذلك لا يمكنك ألا تعتقد ما علمته وشاهدته، وما لم تشاهده بعينك ولم تسمعه بأذنك ثم وقع في قلبك فإن الشيطان يلقيه إليك فينبغي أن تكذبه فإنه أفسق الفساق وقد قال تعالى أول سورة تلك الآية: إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا الآية.

ولا تغتر بمخيلة فساد إذا احتمل خلافها لأن الفاسق يجوز أن يصدق في خبره لكن لا يجوز لك تصديقه، ومن ثم لم تحد أئمتنا برائحة الخمر لإمكان أنها من غيرها، وتأمل خبر: إن الله حرم من المسلم دمه وماله وأن تظن به السوء. فعلم منه أنه لا يسوغ لك ظن السوء به إلا ما يسوغ لك أخذ ماله من يقين مشاهدة أو بينة عادلة وإلا فبالغ في دفع الظن عنك ما أمكنك لاحتمال الخير والشر. وأمارة سوء الظن المحققة له أن يتغير قلبك عليه عما كان فتنفر عنه وتستثقله وتفتر عن مراعاته وفي الخبر: ثلاث في المؤمن وله منهن مخرج فمخرجه من سوء الظن أن لا يحققه أي لا يحقق مقتضاه في نفسه بعقد القلب بتغييره إلى النفرة والكراهة ولا بفعل الجوارح بإعمالها بموجبه. انتهى.

وهو مأخوذ من كلام أبي حامد في الإحياء، وإذا عرف الفرق بين الخواطر والوساوس وبين سوء الظن فإن ما كان من سوء الظن ناشئا عن قرينة كإخبار شخص عن نفسه بأنه سيكذب مثلا لم يكن هذا داخلا في النهي.

قال الحافظ في الفتح: وقال القرطبي : المراد بالظن هنا التهمة التي لا سبب لها كمن يتهم رجلا بالفاحشة من غير أن يظهر عليه ما يقتضيها. انتهى.

وقال القرطبي في تفسيره: والذي يميز الظنون التي يجب اجتنابها عما سواها، أن كل ما لم تعرف له أمارة صحيحة وسبب ظاهر كان حراما واجب الاجتناب. وذلك إذا كان المظنون به ممن شوهد منه الستر والصلاح، وأونست منه الأمانة في الظاهر، فظن الفساد به والخيانة محرم، بخلاف من اشتهره الناس بتعاطي الريب والمجاهرة بالخبائث. انتهى.

والتوبة من إساءة الظن بالمسلمين تكون بالندم على هذا الفعل والإقلاع عنه والعزم على عدم العودة إليه، ولا يلزم إخبار من أسيء به الظن بما وقع في النفس من سوء الظن به، ولم نر من قال بوجوب ذلك من أهل العلم، وإذا كان كثير من أهل العلم قد ذهبوا إلى أنه لا يجب استحلال من اغتيب وإنما يكفي أن يذكر بمحاسنه ويستغفر له وذلك دفعا لما قد ينشأ عن الإخبار بذلك من المفسدة فههنا أولى وأحرى، فإن كنت أسأت الظن بأحد من المسلمين على وجه لا يجوز فتوبي إلى الله تعالى ولا تعودي إلى هذا الذنب مرة أخرى، ولو استغفرت لهذا الإنسان ودعوت له بخير كان ذلك حسنا إن شاء الله.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني