الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أسباب وقوع العنف والشجار بين أبناء الأمة الإسلامية

السؤال

لما ذا العنف بين المسلمين وكلهم يشهدون بالوحدانية؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن النصوص الشرعية متضافرة على حرمة دم المسلم وماله وعرضه ومنع إيذائه والاعتداء عليه بكل أنواع وصورالاعتداء، ولذلك شرع الله الحدود، كحد قاطع الطريق وقطع يد السارق، والقصاص من الجاني والقاتل وجلد الزاني البكر والقاذف، ورجم الزاني المحصن، ونحو ذلك مما هو معلوم، فقد قال الله تعالى: وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ {الإسراء:33}. وقال: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً {النساء: 93}.

وفي الصحيحين عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: اجتنبوا السبع الموبقات قالوا يا رسول الله وما هن؟ قال: الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات.

وفي الحديث: ألا إن الله حرم عليكم دماءكم وأموالكم كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا، ألا هل بلغت؟ اللهم اشهد ثلاثا ويحكم! انظروا لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض.

وفي حديث مسلم: من قال: لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله.

وفي حديث البخاري: من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا فذلك المسلم الذي له ذمة الله وذمة رسوله، فلا تخفروا الله في ذمته.

وروى ابن ماجه عن البراء ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل مؤمن بغير حق.

وقال صلى الله عليه وسلم: لا ضرر ولا ضرار. رواه ابن ماجه وغيره، وصححه الألباني.

فكل هذه النصوص تؤكد النهي عن العنف والإضرار بالناس بغير حق، لكن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، فيوسوس له، ويوقع بينه وبين إخوته بالتحريش وسوء الظن وغير ذلك، وعلى أية حال فإنه يتعين دفع ما يحصل من الشجار بين المسلمين بتعاون الدعاة والمصلحين على إقناع المجتمعات بالتمسك بالدين وما شرع في التعامل بين الناس من غرس التحابب والتناصح بينهم وحب المسلم الخير لأخيه ونفعه له والبعد عن الإساءة إليه والترغيب في صبر المسلم على أخيه ودفع إساءته بالحسنى وإفشاء السلام, والتهادي والزهد فيما عند الآخرين حتى يحصل الوئام والتآخي وترتفع العداوة والبغضاء ويترك الجميع استخدام العنف، فقد قال الله تعالى: وَلَا تَسْتَوِي الحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ {فصلت: 34}.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: أحب الأعمال إلى الله - عز وجل - الحب في الله والبغض في الله. رواه أحمد وحسنه الأرنؤوط.

وقال صلى الله عليه وسلم: قال الله عز وجل: المتحابون في جلالي لهم منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء. رواه الترمذي، وقال حسن صحيح.

وفي الموطإ وصحيح ابن حبان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال الله تبارك وتعالى: وجبت محبتي للمتحابين في، والمتجالسين في، والمتزاورين في.

وفي الحديث: تهادوا تحابوا. رواه مالك والبخاري في الأدب، وحسنه الألباني.

وفي الحديث: لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا, ولا تؤمنوا حتى تحابوا, أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم. رواه مسلم.

وفي الحديث الذي رواه ابن ماجه في سننه عن سهل بن سعد الساعدي ـ رضي الله عنه ـ قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال: يا رسول الله دلني على عمل إذا عملته أحبني الله وأحبني الناس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما في أيدي الناس يحبوك. وصححه الألباني.

ويجب كذلك الحرص على البعد عن المعاصي، فإن المعاصي سبب لوقوع البغضاء بين الناس، فقد عاقب الله النصارى بها لما عصوا، كما قال تعالى: وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ العَدَاوَةَ وَالبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ

وفي الحديث: ما تواد اثنان فيفرق بينهما إلا بذنب يحدثه أحدهما. رواه البخاري في الأدب وصححه الألباني والأرناؤوط.

وإذا لم يحصل التفاهم فتنازع قوم وكان كل منهم يرى أن الحق معه فيتعين إيجاد جهات إصلاحية تصلح بين المتنازعين، وتردع الظالم عن ظلمه، فالسعي للإصلاح بين الناس من أفضل الأعمال وأجلها، لقول الله تعالى: لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً {النساء:114}.

وقال: إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ {الحجرات:10}.

وقال صلى الله عليه وسلم: ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ قالوا: بلى يا رسول الله قال: إصلاح ذات البين، وفساد ذات البين هي الحالقة. رواه أحمد وأبو داود والترمذي.

ولو أن شخصا ما اعتدى عليه آخر ليؤذيه في نفسه، أو أهله فله دفعه، ولكن يتعين دفعه بما تيسر دون استخدام العنف كإقناعه بترك الظلم والشكوى منه وردعه بأخف ما يمكن لتفادي قتله، ولا يجوز قتله إذا أمكن دفعه بغيره، كما قال ابن المقرئ في روض الطالب: يجوز دفع كل صائل من آدمي وبهيمة عن كل معصوم من نفس وطرف وبضع ومقدماته ومال وإن قل، وله دفع مسلم عن ذمي ووالد عن ولد وسيد عن عبده ومالك عن إتلاف ملكه، ويجب الدفع للصائل بالأخف إن أمكن كالزجر ثم الاستغاثة، ثم الضرب باليد ثم بالسوط، ثم بالعصا ثم بقطع عضو، ثم بالقتل، ومتى أمكنه الهرب، أو التخلص لزمه. انتهى المراد.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني