الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كذب الزوج على زوجته لأجل المصلحة

السؤال

جزاكم الله خيرا على ما تقدمونه من جهود لخدمة الإسلام والمسلمين. وأرجو أن تجيبوني عن هذا السؤال
وجدت هذه القصة منتشرة على النت برواية د. عبد العزيز الخويطر، ووجدت اختلافا بين الكثير من المسلمين في الرأي حولها.
وسؤالي هو: هل ما فعله القاضي صحيح أم أنه يدخل في نطاق الكذب والغش والخداع والاحتيال ؟
وإن كان صحيحا فما الدليل ؟ وهل يجوز الكذب والتحايل في هذه الحالة ؟ أي حالة الزواج الثاني ؟
بارك الله فيكم وجزاكم عنا خيرا
الدكتور عبد العزيز الخويطر أورد حكاية ظريفة وصلتني عن طريق الإيميل منذ أيام، فارسها كما يقول الراوي أحد القضاة في المملكة، وفي مقدمتها قال: كنت بصحبة سمو أمير المنطقة حفظه الله في رحلة، وفي انتظار أذان المغرب، قال مدير الشرطة، يا سمو الأمير دع الشيخ القاضي، يحكي قصته، مع زوجته غير المعلنة، فقال الشيخ: إني تزوجت خفية على الأولى، ولكنها أحسّت بذلك دون دليل، وصرت كلما أثارت الموضوع أقنعتها بأن ما تخيلته وهْم، ثم اتفقت أنا وزوجتي الأخيرة على خُطة لإقناعها، ولتنفيذ الخُطة ذهبت هذه الزوجة، إلى بيتي وقت صلاة الظهر، وقالت لزوجتي الأولى: إني أريد أن أستشير الشيخ في أمرٍ ما.
فرّحبت بها زوجة الشيخ الأولى وقالت: انتظريه، فسوف يعود بعد الصلاة، عاد الشيخ من الصلاة، وأخبرته زوجته أن امرأة في الصالون تنتظره، فدخل ومعه زوجته الأولى، واستمع الشيخ لما لدى المرأة من أمر، يتلخص في أن لها زوجاً تحبّه ويحبّها، ولكنها لاحظت في الأيام الأخيرة، ما جعلها تشكّ أنه قد تزوج عليها. وفاتحته بالأمر فأنكر، وأقنعها أن هذه وساوس الشيطان الذي لم يرضه الانسجام التام بينهما.
وكلما أثارت الموضوع معه، لأنها لا تصبر، أقنعها بأن ما تتوهمه بعيد عن الحقيقة، فقال الشيخ بعدما انتهت الزوجة الثانية من حديثها: اسمعي يا بنتي، زوجك صادق، هذه وسوسة من وساوس الشيطان، يقدمها أمامه، إذا أراد أن يفسد بين المرء وزوجه، فاستعيذي منه، وأبعدي الشكوك من رأسك، ، ثم قال:
لماذا نذهب بعيداً، هذه زوجتي أمامك, وقد عشش إبليس في رأسها، وأوهمها بأني متزوج، وكلما قدمت لها الأدلة اقتنعت ولكنه لا يتركها، ويعود إلى وسوستها ثم تعود إلى المناكفة، وأنا أمامك الآن أقول: إن كان لي زوجة خارج هذه الغرفة، فهي طالق، فقفزت زوجته الأولى، وقبلت ركبتيه وقالت: ما بعد هذا شيء، سوف أدحر إبليس، ولن أقول لك كلمة واحدة بعد الآن.
فقال للزوجة الثانية، خذي من هذه عبرة وكل امرأة سعيدة مع زوجها، هي هدف الشيطان، فشكرته ووعدته أن تطوي صفحات هذا الموضوع منذ تلك اللحظة.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن كلام هذا الرجل مع زوجته اشتمل على حيلة فعلا، وقد كذب فيما ادعاه من نفي الزوجية ثانيا، وكذبه على زوجته في هذه الحالة مباح لأن الزواج بالثانية مباح في الأصل ونفيه له حتى لا تتوتر العلاقة بينه مع الأولى وتدوم العشرة والألفة بينهما لا حرج فيه، لما رواه مسلم في صحيحه أن أم كلثوم بنت عقبة قالت: ولم أسمعه -أي الرسول صلى الله عليه وسلم- يرخص في شيء مما يقول الناس كذب إلا في ثلاث: الحرب والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها.

فهذا الحديث يدل على جواز أن يكذب الرجل على زوجته وكذلك المرأة على زوجها، ولكن أهل العلم قيدوا كذب الرجل على امرأته وعكسه بأن يكون الكذب فيما يتعلق بأمر المعاشرة وحصول الألفة بينهما.

قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: واتفقوا على أن المراد بالكذب في حق المرأة والرجل إنما هو فيما لا يسقط حقا عليه أو عليها أو أخذ ما ليس له أو لها.

وقال ابن القيم في زاد المعاد: يجوز كذب الإنسان على نفسه، وعلى غيره إذا لم يتضمن ضرر ذلك الغير إذا كان يتوصل بالكذب إلى حقه، كما كذب الحجاج بن علاط على المشركين حتى أخذ ماله من مكة من غير مضرة لحقت بالمسلمين من ذلك الكذب، وأما ما نال من بمكة من المسلمين من الأذى والحزن، فمفسدة يسيرة في جنب المصلحة التي حصلت بالكذب.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني