الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أقوال العلماء في حج المرأة بدون محرم

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ذهبت والدتي إلى الحج بعد وفاة والدي وكان عمرها 56 عاما وذلك بدون محرم، فهل كان يلزمها محرم للسفر للحج أم لا؟ وهل حجتها صحيحة بدون محرم؟ وهل صحيح شرعا أنه إذا بلغت المرأة سناً معينة لا يلزمها محرم؟ وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فاعلم أن العلماء مختلفون في اشتراط المحرم للمرأة في الحج على الأقوال الآتية:
القول الأول: يشترط وجود المحرم أو الزوج لوجوب الحج على المرأة وهو قول الحنفية والحنابلة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم" رواه الشيخان ، ولهما أيضاً عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم، ولا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم" فقام رجل فقال: يا رسول الله، إن امرأتي خرجت حاجة، وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا، فقال: "انطلق فحج مع امرأتك" وذلك لأن المرأة لا تقدر على الركوب والنزول بنفسها، فتحتاج إلى من يُركبها ويُنزلها، ولا يتأتى ذلك إلا مع الزوج أو المحرم.
القول الثاني: لا يشترط لوجوب الحج وجود المحرم أو الزوج وهو قول الشافعية، بل يكفي وجود النسوة الثقات حتى لو فرض وجود الزوج والمحرم القادرين على السفر معها، وهذا هو المشهور من المذهب، لأن الرفقة تقطع الأطماع فيهن، ولأنه سفر واجب لا يشترط له المحرم، كالمسلمة إذا تخلصت من أيدي الكفار، وكالسفر لحضور مجالس الحاكم.
القول الثالث: قول المالكية فقد ذهبوا إلى وجوب وجود الزوج أو المحرم، فإن لم يوجدا، أو وُجدا لكن امتنعا أو عجزا عن مرافقتها، فرفقة مأمونة، والمعتمد صحة ذلك برفقة الرجال المأمونين أو النساء المأمونات، والأحرى أن تكون من الجنسين معاً، على أن تكون المرأة مأمونة في نفسها.
وذهب ابن تيمية إلى جواز سفر المرأة بحج الفريضة بدون محرم -إن عُدم- إذا أمنت على نفسها.
وفرَّق الإمام أحمد في رواية بين الشابة والعجوز، قال المروزي : وسئل عن امرأة عجوز كبيرة ليس لها محرم، ووجدت قوماً صالحين؟ قال: إن تولت هي النزول والركوب، ولم يأخذ رجل بيدها، فأرجو، لأنها تفارق غيرها في جواز النظر إليها، للأمن من المحظور، فكذا هنا. ا.هـ.
ونقلها كذلك المرداوي في الإنصاف، فقال: وعنه: لا يشترط المحرم في القواعد من النساء اللاتي لا يُخشى منهن ولا عليهن فتنة. ا.هـ.
وذهب الشافعية في قول: أنها يجوز لها الخروج للحج وحدها وهو مذهب طائفة، منهم: الشيرازي كما ذكره في المهذب، واستدلوا له بحديث عدي بن حاتم الطائي ، وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "هل رأيت الحيرة؟ قلت: لم أرها، وقد أنبئت عنها. قال: فإن طالت بك حياة لترين الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف الكعبة لا تخاف أحداً إلا الله... الحديث" رواه البخاري .
وليُعلم أن هذا الخلاف الذي ذكرناه هو في حج الفريضة دون حج النافلة، والراجح - والله أعلم - جواز سفر المرأة للحج مع رفقة مأمونة عند أمن الفتنة، وأمن الفتنة يُحدده الزمان والمكان ووسيلة السفر والرفقة فيه وحالة المرأة ، فهو أمر يختلف باختلاف الأشخاص والأزمان والأحوال.
وعليه، فإن حج والدتك صحيح - إن شاء الله - لأن وجود المحرم ليس من شروط صحة الحج، وإنما هو شرط وجوب عند القائلين به.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني